المنشور

موقف دول «التعاون» في مؤتمر باريس لتغير المناخ


على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي(APEC) التي عقدت في بكين في العاشر من نوفمبر/‏‏تشرين الثاني 2014 وقع كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الصيني شي جين بينج في الرابع عشر من نوفمبر/‏‏تشرين الثاني  2014 بياناً مشتركاً تضمن تعهداً من جانب الولايات المتحدة بالسعي لخفض انبعاثاتها بنسبة تتراوح ما بين 62%-28 % أخفض من مستوى انبعاثاتها في عام 5002 وذلك بحلول عام 5202. بينما تعهدت الصين بالوصول إلى ذروة انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 0302 أو قبل ذلك، وزيادة نسبة مصادرها المولَّدة من الطاقة غير الأحفورية إلى  20% بحلول عام0302 إضافة إلى تعهد الدولتين بالعمل معاً ومع بقية أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، للتوصل إلى بروتوكول جديد في مؤتمر الأطراف ال 21 في باريس.
 
 على مقلب آخر، فإن التدقيق في البيان الختامي لمؤتمر الأطراف العشرين ( COP-20 )  الذي عقد في ليما عاصمة بيرو خلال الفترة من 1-12 ديسمبر/‏‏كانون الأول 2014 «نداء لاتخاذ خطوات عملية تجاه المناخ»
(Lima Call for Climate Action) بكليته، يفيد بصورة لا لبس فيها بأن الاتفاق الجديد الذي سيتم التوصل اليه في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين ( COP-21) الذي سيعقد في باريس خلال الفترة من 30 نوفمبر/‏‏تشرين الثاني إلى 11 ديسمبر/‏‏كانون الأول 5102 سيكون ملزماً لكل الدول، بما فيها الدول البترولية، وأن جولات التفاوض المقبلة، حتى لو لم تتمخض عن التوصل إلى صيغة بروتوكول تنفيذي جديد للاتفاقية، فإنها ستشهد الدخول في تفاصيل التوزيع الكمي لنسب الخفض التي سيتم الاتفاق عليها وعلى مصادرها، وعلى رأسها بطبيعة الحال النفط الذي يشار إليه دائما بالوقود الأحفوري الذي يشمل أيضاً الفحم والغاز، وذلك مع الإقرار بهذا الصدد بأن بيان ليما لم يتضمن أي إلزام للدول الأعضاء لتقديم بيانات تفصيلية عن أهدافها التخفيضية للانبعاثات (Prospect reductions targets). إذ اكتفى البيان بصياغة تقول إن الدول مدعوة للنظر في تقديم تعهداتها، بما يعني في الوقت الذي تكون جاهزة فيه لتقديمها. وحتى لو قدمت الدول تعهدات تفصيلية قبل انعقاد مؤتمر باريس، فليس من حق الدول الأخرى مراجعتها والتعليق عليها، لأن الصين والهند وبقية دول «مجموعة ال 77 + الصين» (الدول النامية)، رفضت القبول بمثل هذه الرقابة التي اعتبرتها نيلاً من سيادتها.

 والتعهدات المقصودة هنا عبارة عن عروض الدول المتعلقة ب«المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» (Intended Nationally Determined Contributions – INDs) من قبل كل دولة عضو في الاتفاقية. وكانت هذه الآلية قد اختيرت لاستدراج عروض الدول حول مساهمتها في خفض الانبعاثات العالمية، والتي يجب أن تتضمن تفاصيل حول خفض الانبعاثات التي تتعهد بها، إضافة إلى إمكانية تضمينها خطط عملية حول القضايا الأخرى ذات الصلة مثل التكيف.
الآن، ما الذي يتعين على دول مجلس التعاون، والدول العربية البترولية بصفة عامة، فعله إزاء هذه المستجدات الضاغطة على نحو واضح وصريح على جميع الدول النامية الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (مجموعة ال 77 + الصين)، خصوصاً منها الصين والهند والبرازيل ذات الثقل بسياساتها الاستقلالية الصريحة ومعها الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة للبترول؟

إننا نقترح على وفود هذه الدول التمهل وعدم التسرع في تقديم أي عروض سابقة لأوان معرفة هوية وشكل الالتزامات التي ستقدمها الدول المتقدمة، ومعرفة ردود أفعال بقية أعضاء منظومة مجموعة ال 77. فهذه التواريخ التي تضعها سكرتارية الاتفاقية ليست مقدسة، فضلاً عن أن صيغة تقديم الالتزامات ليست قاطعة ومحددة كما هي واردة بالتحديد في بروتوكول كيوتو. في بروتوكول كيوتو كانت الالتزامات الكمية واضحة ومحددة للدول ال 37 المتقدمة المسؤولة تاريخيا عن مراكمة وتركيز غازات الاحتباس الحراري والأكثر نفثا لها حتى الآن بالنسبة للفرد. أما في صيغة «المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» (Intended Nationally Determined Contributions – INDs) فقد اختارت أطراف التفاوض لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، صيغة مطاطة ومرنة وملتبسة إن شئتم هي أقل حملاً على الالتزام وأكثر إحالةً لتقديم التزامات طوعية. ومن وحي الخبرة التفاوضية المعقولة، تمثيلاً لمملكة البحرين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في جولات التفاوض في منظمة التجارة العالمية ومفاوضات تغير المناخ، في اتصالها تخصيصا بقطاعات الطاقة، لاسيما النفط والغاز، أكاد أُجزم بأن أطراف التفاوض على اطلاع ومعرفة وإلمام كامل بالآليات المختلفة لطريقة تقديم الدول الأعضاء في المنظمة لالتزاماتها بشأن مستوى التحرير التجاري لأسواقها. فلقد استعاروا طريقة تحرير أنشطة قطاعات الخدمات المعمول بها في منظمة التجارة العالمية في إخراج الطريقة الملائمة لجذب كل أطراف الاتفاقية، الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، للمساهمة بحصتها في خفض الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري، وهي آلية «المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» (Intended Nationally Determined Contributions- INDs). في آلية تحرير الخدمات الدولة العضو في منظمة التجارة العالمية، هي التي تقوم بتحديد ووضع وتقديم جدول التزاماتها الخاص بتحرير أنواع الأنشطة الخدمية في أسواقها الوطنية المفتوحة أمام المنافسة الأجنبية وتحديد مستوى هذا التحرير. بمعنى أن ما تقدمه الدولة العضو في المنظمة من عروض () Offers هو ما ستلتزم به، وما عدا ذلك لا يلزمها. العروض يمكن أن تُحَسَّن بتقديم عرض آخر محسن ( Improved Offer ) تبعا لتقدم المفاوضات سواء المتعددة الأطراف أو الثنائية الأطراف.
 
 ولذا نحسب أن ما ستقدمه الدول الأعضاء في اتفاقية تغير المناخ من مساهمات بمسمى «المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» ما هو إلا العروض المبدئية ( Initial Offers ) الموازية للعروض المبدئية لآلية تحرير أنشطة قطاعات الخدمات في منظمة التجارة العالمية. وهذا يعني أن على دول مجلس التعاون، بالإضافة إلى عدم تعجلها في تقديم عروضها الخاصة ب  ( INDCs ) قبل أن تقدم بقية دول مجموعة ( BASIC countries ) التي تضم الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، عروضها، حيث لم تقدم سوى الصين عرضها لحد الآن، فيما تروج مصادر مؤتمر باريس إلى أن البرازيل وجنوب إفريقيا تقتربان من الانتهاء من عرضيهما لتقديمهما قبل انعقاد المؤتمر – بالإضافة إلى التريث في تقديم العروض، يتعين تحاشي تقديمها بصورة انفرادية ضاغطة على بقية دول المجلس. 
  
  حرر في : 11/10/2015