المنشور

عهد طه حسين للشباب


ساخراً كتب طه حسين عن التقارير التي يرفعها من تبعثهم جهات عملهم لحضور مؤتمر من المؤتمرات في الخارج، فلا أيسر على من شهد مؤتمراً من أن يرفع تقريراً عنه إلى الذين أرسلوه إليه. وساخراً أيضاً قال: ليس المهم أن يُقرأ التقرير وإنما المهم أن يُكتب، وليس المهم أن يُدرس ما فيه من رأي ويؤخذ بما فيه، وإنما المهم أن يُحفظ في عطفٍ من أعطاف الوزارة، ليرجع إليه ذات يوم أو لينام إلى آخر الدهر.

لهذا القول مناسبة، هو أن وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) في منتصف ثلاثينات القرن العشرين انتدبت طه حسين لتمثيلها في مؤتمر اللجان الوطنية للتعاون الفكري وفي مؤتمر التعليم العالي اللذين عُقدا في باريس يومذاك، فشهد المؤتمرين واشترك فيما كان فيهما من حوار، بل إنه شهد مؤتمرات أخرى عقدت في باريس في الفترة ذاتها ناقشت الثقافة من بعض أنحائها فسمع فيها آراء أثارت في نفسه، على ما يقول، خواطر وعواطف وآمالاً فمَنّى نفسه بأن ينتهز فرصة ذلك لتدوينه.

لم يتبع عميد الأدب العربي القواعد المتبعة التي تقتضي أن يكتب تقريراً عن مهمته، من تلك التقارير التي سخر منها، خاصةً أن ظروف الحياة السياسية في مصر قد صرفت وزارة المعارف والجامعة المصرية التي كان يُدَّرس فيها عن التقارير، وصرفته هو شخصياً عن تنميقها وتدبيجها.

لقد فعل شيئاً آخر مهماً، هو الوفاء بعهدٍ كان قد قطعه على نفسه تجاه شباب مصر الذين سألوه كما سألوا سواه من مفكري مصر وقادة الرأي فيها عمَّ عليهم وعلى بلادهم أن تفعله بعد إمضاء المعاهدة بينها وبين الإنجليز التي أدت إلى فوز مصر بجزءٍ وصفه بأنه عظيم من أملها في تحقيق استقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية، فرأى أن من واجبه أن يرسم للشباب ولمصر، من خلالهم، رؤية للتعليم والثقافة تقود البلاد للنهضة والتقدم.

لم يلجأ طه حسين إلى كتابة تقرير منمق عن المهمة التي ابتعث إليها في فرنسا، وإنما عكف على كتابة واحد من أهم كتبه، أنجزه بعد عام واحد فقط، رسم فيه خريطة طريق، ما انفكت الحاجة تزداد إليها حتى اللحظة، لا لمصر وحدها، وإنما للعالم العربي كله.
ذلكم هو كتاب «مستقبل الثقافة في مصر»، الذي خلده وسيخلده الزمن، والذي تشخص الحاجة للعودة إليه اليوم، ربما أكثر من الأمس.
 
 
حرر في:  08/10/2015