المنشور

نحن والمستقبل


لا فكاك للأمم، ونحن من بينها، من بحث المستقبل، أكان المقصود به مستقبل السنوات القليلة المقبلة، أو مستقبلنا بعد عقد أو عقدين أو أكثر، أو بعد نصف قرن مثلاً أو قرن بكامله، لأن المستقبل، حتى ذاك الذي يبدو بعيداً اليوم، سيغدو في ومضة عين حقيقةً، علينا أن نعيشها بكل دقائقها، خاصة أن العالم الآن مشغول بما يدعى المستقبليات، لترجيح السيناريوهات الممكنة لتطوره في ظل واقع يندفع فيه هذا العالم بأقصى سرعة عرفها التطور البشري نحو آفاق واكتشافات وسياسات سرعان ما تتقادم لتحل بدائلها أخرى جديدة.

لقد تجاوز العالم حال السكون والبطء وحتى البلادة التي ميزت تاريخ الإنسان في العصور السحيقة يوم كانت الحضارات تُعمر طويلاً، أما اليوم فإن صورة العالم تكاد تتبدل كل ربع أو نصف قرن تبدلاً كلياً، إما بحكم الحروب والثورات والانقلابات السياسية، وما تفرزه من وقائع على الأرض، وإما بحكم ثورات العلم والتكنولوجيا والاتصال.

وإذا كان البحث الاجتماعي والسياسي العربي يشكو من علل كثيرة، فإن كبرى هذه العلل هي هذا الاستخفاف بالمستقبل وعدم تهيئة العدة لاستقباله، لذا كثرت المرات التي وجدنا أنفسنا فيها أمام كوارث، ربما كان بالإمكان تفاديها، لو أن صناع القرار اهتموا ببحث احتمالات التطور المختلفة.

والحق أن الاختبار والتجربة أمران صعبان في الدراسات التاريخية والاجتماعية، فكل واقعة من وقائع التاريخ المسلم بها قائمة بذاتها، وليس في الإمكان تصور ظروف يتكرر فيها وقوعها حتى يمكن الجزم بصحة ما قيل من استنتاج عنها، لذا يبدو طبيعياً ألا يتفق المؤرخون على ما هو مهم وما هو ليس كذلك.

ويبدو أن الحاجة الدائمة التي لا تنتهي إلى إعادة التأويل، حيث لا منجز نهائياً في هذا المجال، حين تصبح جميع الأحكام خاضعة لإعادة الفحص والتدقيق، هي ما يفسر ما ذهب إليه ابن خلدون في «المقدمة» من «أن التاريخ في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الدول والسوابق من القرون الأُول، إلا أنه في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يُعد في علومها وخليق».

أين هي مراكز الأبحاث والدراسات المستقبلية في بلداننا؟ وإن وجدت فكم يخصص لها من موازنات؟ وما الجهد الذي يبذل في تهيئة العقول التي تعمل فيها؟


 
حرر في: 30/09/2015