المنشور

إهانة الذاكرة الوطنية الفلسطينية


يستوقفنا خبر قيام حركة «حماس» الممسكة بزمام الأمور في قطاع غزة بتغيير اسم «مدرسة الشهيد غسان كنفاني» في رفح إلى اسم آخر. هل يتخيل أحدنا أن هناك من يجرؤ على إهانة الذاكرة النضالية والإبداعية، لا للشعب الفلسطيني وحده، وإنما لمجمل حركة التحرر الوطني العربية، والحركة الإبداعية العربية بهذه الطريقة الفجة، حين تنال من ذكرى مناضل ومبدع بهذا الحجم؟
 
للأسف هناك من يجرؤ. وثمة واحد من دافعين ، حدا بمن قام بهذه الخطوة لأن يفعلها، فإما أن يكون جاهلاً بالقيمة الرمزية العظيمة التي يمثلها غسان كنفاني، وهذه مصيبة، لكن المصيبة الأكبر هي أن يكون الدافع خطوة مدروسة ومقصودة لمسح الذاكرة الوطنية الفلسطينية التي تشعر حركة «حماس» إزاءها بنوع من الغربة، لأنها تمثل قيماً ثقافية وحضارية عميقة لم تظهر قوى «الإسلام السياسي» حتى اللحظة تمثلها لها.

يلفت النظر أن الحركة التي غيرت اسم المدرسة استبدلته باسم الباخرة التركية «مرمرة» التي حملت عدداً من النشطاء حاولوا فك الحصار على غزة منذ سنوات، ولاحظ محمد مكاوي،عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الميل لاستبدال تسميات المؤسسات التعليمية وفق صبغة حزبية واحدة أو أيديولوجية دينية معينة.

تستحق ذكرى الشهداء من ركاب الباخرة «مرمرة» الذين سقطوا بنيران العدو الصهيوني التكريم، ولكن ألم تجد “حماس” إلا الشهيد غسان كنفاني لتزيل اسمه عن المدرسة التي تحمله منذ أكثر من عشر سنوات، فيما كان بالوسع أن يطلق اسم الباخرة على أي مدرسة جديدة أو أي مرفق آخر؟

ليست المرة الأولى التي تظهر فيها «حماس» ازدراءها للإبداع الفلسطيني ورموزه، فقد ظهر ذلك في الطريقة التي تعاملت بها مع رحيل الشاعر الكبير محمود درويش حين أفتوا بأنه لا يجوز الترحم عليه، ولا الدعاء له بالجنة، بل إنهم عمدوا إلى تشويه سيرته والإساءة إلى مواقفه، ولا يبدو هذا غريباً على «التيارات الإسلامية» الموغلة في المحافظة، والعاجزة عن إنتاج وعي إنساني وثقافي حقيقي.
 
تظهر التجربة أن علاقة أي قوة سياسية أو مجتمعية بالثقافة والفن والإبداع هي المجس الحقيقي لمدى تعبير هذه القوة عن الوجدان الحقيقي للشعب، كون تلك الفضاءات هي المجسدة لأرهف وأجمل ما لدى الشعوب من آمال وتوق لمستقبل سعيد بآفاق إنسانية وحضارية، وهي التجربة التي تسقط فيها قوى «الإسلام السياسي» المرة تلو الأخرى. 



 
حرر في: 27/08/2015