المنشور

العرب آخر من يعلم


لم يعلم العرب بأمر التفاهمات بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، التي عرفت باتفاقية «سايكس – بيكو»، وتمَّ الوصول إليها بين نوفمبر/تشرين الثاني 1915 ومايو/أيار 1916، إلا في نهاية عام 1917، بعد سقوط حكم القياصرة الروس، العارفين بالصفقة والمتواطئين معها، فقام البلاشفة، بعد أن استولوا على السلطة، بنشر الوثائق التي فضحت الاتفاقية.

كانت بريطانيا وفرنسا قد اتفقتا على تقسيم الهلال الخصيب، فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق، أما بريطانيا فمنحت السيطرة على الأردن، والتمدد شرقاً لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي ، كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية.

ورغم الحرج الذي سبّبه كشف الصفقة، إلا أن محتوى «سايكس- بيكو» تم التأكيد عليه مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920. بعدها، أقرّ مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 يونيو/حزيران 1922. انتهى مفعول انتداب عصبة الأمم على فلسطين يوم 14 مايو/أيار 1948 وجلا البريطانيون عنها، وفي اليوم التالي أعلن قيام «إسرائيل»،
يروي «لورانس العرب» في كتابه: «أعمدة الحكمة السبعة» ، ما جرى بعد أن انتقم شر انتقام من الجنود الأتراك الفارين من عقدة السكك الحديدية في درعا، حيث أمر رجاله بعدم إبداء أي رأفة تجاه الرتل المنسحب من الأتراك المؤلف من أربعة آلاف جندي: «في هياج جنوني كنا نقتل ونمعن القتل حتى إننا كنا ننسف رؤوس من سقطوا ورؤوس الحيوانات كما لو أن موتهم والدم المراق سيروي لوعتنا».

مستعجلاً الوصول إلى دمشق نصّب لورانس حكومة عربية مؤقتة برئاسة الأمير فيصل، لكن حين وصل الجنرال البريطاني اللنبي إلى المدينة استدعى لورانس وفيصل ، ليصدم الأمير الذي تمّ تنصيبه للتو، بنبأ أن دمشق وفق خطوط «سايكس – بيكو» ستكون من نصيب الفرنسيين لا الإنجليز، وأن لا مجال لإمارته عليها.

مفيد التذكير أن المعارك التي تحدّث عنها لورانس العرب جرت بالضبط في نفس الأماكن التي تخوض فيها «داعش» حربها اليوم، حيث يدور الحديث عن خريطة جديدة يجري تصميمها للمنطقة، تحل محل خريطة «سايكس – بيكو»، وكان العرب آخر من علم بها، تماماً كما هم اليوم آخر من سيعلم بالخريطة الجديدة.

 
15/07/2015