المنشور

نحو وحدة وطنية راسخة!

بعد تفجيرات السعودية والكويت الاجرامية من المهم ان تقرع في الدول الخليجية الاخرى أجراس الحذر واليقظة تحسباً لما حدث في كلتا الدولتين من ارهاب حصد أرواح الابرياء من قبل داعش التنظيم الظلامي الذي اتخذ من العنف والقتل منهجاً مصدره الفكر الذي يستلهم اصوله وثوابته من النص والفكر الديني التكفيري!

التحصينات الامنية التي اتخذتها الدولة لحماية المواطنين والمقيمين والبحرين عموماً من الاعمال الارهابية التي تسعى لاثارة الفتن الطائفية والنيل من أمن واستقرار المجتمع وضرب منجزاته الوطنية احتياطات ضرورية تعكس مدى اهتمام الدولة لتجنب جرائم التنظيمات السلفية وغيرها من قوى الارهاب!

والسؤال المهم هو ماذا بعد التحصينات والاجراءات الامنية؟ وهل هي كافية لحماية البلاد من الفكر الاصولي الارهابي واعمال العنف والتخريب؟ مع اهمية تلك التحصينات وما شهدته البلاد من فعاليات ومبادرات اهلية تعزز التقارب من الطائفتين الشيعية والسنية بعد احتقان طائفي مؤلم، وترسخ الوحدة الوطنية في المجتمع بعد تداعيات الازمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ اكثر من اربع سنوات، نقول حتى نعزز ونرسخ الوحدة الوطنية لابد من تحريك مياه الازمة الراكدة، ولا سبيل الى الخروج من نفقها المظلم من دون حوار وطني شامل، ومصالحة وطنية، وتفاهمات لها علاقة باحترام الشرعية وسلطة القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية. وهل يكفي ذلك من دون تنازلات من قبل الحكم والمعارضة التي هي بحاجة الى مراجعة نقدية سياسية؟

نعم، ومع الحاجة الملحة لكل خطوة تهدف الي المزيد من التقارب والترابط بين مكونات المجتمع، ولكل جهد دؤوب يسعى لتقوية الوحدة الوطنية وتمتين اللحمة الوطنية، الا ان هذه الوحدة ليست شعاراً فضفاضاً نرفعه متى ما نشاء وندير ظهرنا له متى ما نريد، بل هي استراتيجية وطنية تستند الى رؤية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية واعلامية وثقافية، هي هدف سام، وانتماء الى الوطن أولا لا للقبيلة، والطائفة، والعشيرة، فهي كما يراها هيغل طاعة القانون في اطار الحرية الممنوحة منه على ان يتوافق القانون مع منطق العدل الذي هو منطق التاريخ.

مجتمعنا البحريني وهو يواجه الارهاب وسموم الكراهية المنبعثة من مستنقعات التعبئة والشحن الطائفي ومن طقوس متحجرة اكثر ما يشدها الفتنة الطائفية والتكفير والقتل ارضاءً لاجتهادات وتفسيرات خاطئة للدين ومعادية للعقل والمنطق احوج ما يكون الى هذه الوحدة التي تحتاج الى قانون وممارسات سليمة وواعية لا تدعو الى الوحدة الوطنية وقت نشوب الازمات والمخاطر وما أن يزول الخطر حتى تصبح الوحدة في خبر كان، بل تدعو اليها كمطلب وخيار استراتيجي يتيح الينا الانطلاق نحو المستقبل بارادة جماعية صلبة.

لا مجال للتنظير والمزايدات السياسية، ان السيطرة على الارهاب لا تقف عند حدود الادانة والشجب والاستنكار، وان التصدي له ولكل جهة داعمة وممولة له لا تحتاج الى القراءة السطحية لمخاطر الفكر التكفيري او الهروب الى الامام وتجنب الاسئلة الصعبة ومسؤوليات الحاضر والمستقبل.

ليس للحديث عن الوحدة الوطنية دلالة من دون ان نترجم شعار الوحدة الي واقع وطني ملموس ومضامين وطنية نابعة من المصالح الوطنية للوطن والشعب ومن مبدأ الوطن للجميع، والالتزام بالحقوق والواجبات، والعدالة، وتجريم من يعمل على هدم جدار الوحدة الوطنية واذا كانت الدولة هي الجهة المسؤولة عن حماية المجتمع من الاخطار الداخلية والخارجية، فان المسؤولية تقع ايضاً علي الشعب بكل فئاته، وحتى تقوى الجبهة الداخلية وتتجذر المسؤولية بين الدولة والشعب الذي عرف عنه منذ قديم الزمان بانه شديد الحرص على الترابط والتماسك في ظل ما تعيشه البحرين من تسامح وتعددية، لابد من تقوية الشراكة الحقيقية والتوافق بين الطرفين على اسس احترام سيادة القانون وحقوق المواطنة الكاملة، وصيانة حقوق الانسان، وتكافؤ الفرص، لان فك حالة التعبئة النفسية والاحتقان العصبوي في المجتمع كما يقول الباحث عزو محمد عبدالقادر يكمن في اعادة الشعور بالاطمئنان والثقة وبالتوازن الى الجميع على نحو ينتهي معه الخوف من الآخر ويتولد فيه الشعور ان الدولة للجميع والوطن كيان مشترك، وبذلك تتولد كل اسباب الحماسة للمشاركة الايجابية والفعالة في تطوير الحياة الوطنية على قاعدة الشعور بالاندماج الاجتماعي.

11 يوليو 2015