المنشور

محفوظ بين الفلسفة والموسيقى



كان
عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يترأس لجنة مقابلة الطلبة المتقدمين
للانتساب إلى جامعة القاهرة، لتقييم مهاراتهم واستعداداتهم، والتأكد من
أنهم اختاروا لأنفسهم التخصص المناسب، حين صادف أن أحد الطلبة المتقدمين
أجاب بعد سؤاله عن التخصص الذي ينوي دراسته بالجامعة، بأنه يرغب في دراسة
الفلسفة. 


سأله طه حسين: ولماذا الفلسفة بالذات؟ فأجاب الطالب بأنه يريد معرفة أسرار الوجود والكون وما وراء الطبيعة وأشياء من هذا القبيل.


ويبدو
أن العميد طلب منه أن يشرح أكثر ماذا يقصد بذلك، فقال كلاماً مطولاً، ما
إن انتهى منه حتى رد عليه طه حسين، بين الجد والهزل: «أنت فعلاً تصلح
لدراسة الفلسفة لأنك تقول «كلام محدش فاهم منه حاجة». لم يكن هذا الطالب
سوى الشاب نجيب محفوظ، قبل أن تعرفه مصر والعالم روائياً كبيراً، حمل مصر
والعرب إلى جائزة نوبل.


ولم تذهب الفلسفة التي درسها عبثاً، فهي انبثت
بين ثنايا رواياته. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن طه حسين كتب فيما بعد
دراسات نقدية عالج فيها البعد الفلسفي في بعض روايات نجيب محفوظ.


لكن
سنندهش حين نعلم أن نجيب محفوظ، إضافة إلى دراسته الفلسفة، ارتأى أن يتعلم
الموسيقى أيضاً، ففي ثلاثينات القرن الماضي، وهو لما يزل طالباً في السنة
الثالثة بكلية الآداب دخل فعلاً معهد الموسيقى وتعلم العزف على القانون.


وفي
حواره مع عادل ناشد يقول محفوظ إن صوته حسن الأداء لدرجة أن صديقه
الموسيقار عبدالحليم نويرة كان يقول له: «مفروض تدرب صوتك وتغني». ومن
الأشياء اللافتة في سيرة محفوظ أن الفنانة ليلى مراد حين كانت لم تزل صبية
عاشت في بيت والدها زكي مراد ليس بعيداً عن البيت الذي نشأ فيه محفوظ، وقد
استوحى حكايتها في مجموعته القصصية «صباح الورد»، حيث اختار لها اسم وداد،
التي قال عنها في القصة: «مع الأيام راحت تنضج وتحلو، ويعذب صوتها، فتهفو
له القلوب والأبصار والأسماع وعلى عهد الإذاعات الأهلية فاجأتنا بإذاعة
أغنية من أغاني سيد درويش، فطربتُ وفرحتُ كأنما أنا الذي نجحت».


وذكر
قول والدها مرة: «هذه البنت ستخلف أم كلثوم على عرش الغناء». وحين سئل
محفوظ ما إذا كانت وداد صابر مكي في حكايته هذه هي نفسها ليلى مراد، أجاب
بنعم، و«لكن بالطبع مع إضافات من الخيال».