المنشور

النفط أكثر كثافة من الدم

في ثلاثينات القرن الماضي كان الكاتب المسرحي الألماني برتولد بريخت في المنفى، لم يستطع تحمل هول النازية ففرّ إلى الدانمارك أولاً، ومنها إلى مدن أوروبية أخرى، قبل أن يضطر للذهاب بعيداً، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حين راحت العواصم الأوروبية التي تنقل بينها، تتساقط واحدة بعد الأخرى في يد هتلر.


وفي أمريكا أيضاً لم يسلم بريخت من الملاحقة، ولكن ليس على أيادي النازيين، إنما في نطاق الحملة المكارثية التي طالت رموز الإبداع في تلك الحقبة.


في هلسنكي، عاصمة فنلندا، التي كانت إحدى المدن التي لجأ إليها ،كتب بريخت مؤلفه: «حوارات المنفيين»، وهو ليس نصاً مسرحياً بالمعنى المألوف لكن روح المسرح حاضرة فيه.


تدور الحوارات بين رجلين ألمانيين فارين من النازية أحدهما سمين والآخر نحيف يلتقيان في محطة القطار حيث تدور بينهما حوارات معمقة هي أشبه بالتأملات حول أفكار وقيم إنسانية مختلفة، لكن فكرة نبذ الحرب التي كان هتلر يشنها حينها تستحوذ على تلك الحوارات.


الحرب في أحد تعبيراتها هي اقتصاد مكثف، أي أن صراع المصالح هو الباعث على الحروب، ولكن كان على هتلر أن يبتدع حكاية العرق الآري المتفوق كي يوهم أبناء شعبه بأنه يخوض حرباً من أجل مجد عرقهم الذي عليه أن يسود العالم حتى لو أدى الأمر إلى إبادة شعوب وجماعات بكاملها.


هذا النص كُتب في فترة لم يكن للنفط فيها الأهمية الاستراتيجية الراهنة، ولكن فيما يشبه النبوءة بحروب قادمة قال بريخت على لسان أحد المتحاورين في كتابه: «النفط أكثر كثافة من الدم»، ولكن لا يصح القول إن الحروب تشن من أجل الأسواق، فلو قيل ذلك فإنه سيكون أمراً سطحياً وساذجاً، لذلك زعم هتلر أنه بضمه أوروبا، عنوة، إلى الرايخ الألماني إنما يحقق حماية الأسياد للشعوب التي تحتاج اليها.


بعد أقل من قرن كان على جورج بوش الابن أن يحتل العراق ويدمره من أجل الاستحواذ على نفطه ونفط المنطقة كاملاً.


فعل ما فعله هتلر: لم يقل إنه يخوض الحرب من أجل النفط، وإنما لتخليص العراقيين من الاستبداد ودمقرطة المنطقة.


مضى أكثر منعقد على تلك الفعلة النكراء.





النفط العراقي في أيادي الأمريكان والشركات الغربية الأخرى الحليفة، أما أشلاء العراق فتتمزق، وتحصد الحروب الأهلية أو المُصدرة من الخارج أرواح العراقيين يومياً بالعشرات، وأحياناً بالمئات.