المنشور

ما مصير النفط في اتفاق باريس لتغير المناخ؟


 
هل نقول إن ساعة الحقيقة بالنسبة للنفط قد اقتربت مع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف ال 21 لتغير المناخ في باريس خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين ثاني الى 11 ديسمبر/كانون أول 2015؟

ذكرنا في مقالنا السابق “الوقود الأحفوري في اتفاق تغير المناخ”، بأن “مجموعة ال 77 + الصين” (الدول النامية)، وبضمنها الدول البترولية، لاسيما المملكة العربية السعودية ومن خلفها الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للبترول “أوبك” والدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”، نجحت من جديد في مؤتمر الأطراف ال 20 لتغير المناخ الذي عقد في ليما عاصمة بيرو في 12 ديسمبر/كانون الأول ،2014 في إحباط المسعى الأوروبي لوضعها على قدم المساواة مع الدول الغنية في تحمل عبء خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على المستوى الدولي . وكانت مداخلات الدول النامية، وخصوصا مداخلة وفد المملكة العربية السعودية التفاوضي في مجال تغير المناخ، حاسمة في هذا الصدد، بتشديدها على مركزية ومحورية “مبدأ المسؤولية   (The Principle of Common But Differentiated Responsibilities)
المشتركة لكن المتباينة في الاتفاق الجديد الذي يُفترض أن يحل محل بروتوكول كيوتو المنتهية صلاحيته في عام 2012

فقد جاءت صياغة البيان الختامي لمؤتمر ليما “نداء ليما لاتخاذ خطوات عملية تجاه المناخ  
“(Lima Call for Climate Action)”
، فضفاضة في قوة الزاميتها للدول النامية، وذلك على الرغم من البيان المشترك الذي وقعه كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الصيني شي جين بينج في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي(APEC) ، والذي تضمن تعهداً من جانب الولايات المتحدة بالسعي لخفض انبعاثاتها بنسبة تتراوح ما بين 26-28% أخفض من مستوى انبعاثاتها في عام 2005 وذلك بحلول عام 2025 . بينما تعهدت الصين بالوصول الى ذروة انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030 أو قبل ذلك، وزيادة نسبة مصادرها من الطاقة غير الأحفورية إلى 20% بحلول عام 2030 . إضافة إلى تعهد الدولتين بالعمل معاً ومع بقية أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ، للتوصل إلى بروتوكول جديد في مؤتمر الأطراف ال 21 في باريس .
فبيان ليما جاء خالياً من أي إلزام للدول بتقديم تعهداتها بخفض انبعاثاتها بحلول شهر مارس 2015 كما كان مفترضاً، إذ اكتفى البيان بصياغة تقول إن الدول مدعوة للنظر في تقديم تعهداتها، بما يعني في أي وقت تكون جاهزة فيه لتقديمها . وحتى لو قدمت الدول تعهدات تفصيلية قبل انعقاد مؤتمر باريس، فليس من حق الدول الأخرى مراجعتها والتعليق عليها، لأن الصين والهند وبقية دول “مجموعة ال 77 + الصين” (الدول النامية)، رفضت القبول بمثل هذه الرقابة التي اعتبرتها نيلاً من سيادتها .
أيضاً فإنه وعوضاً عن تلبية طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصل مؤتمر ليما إلى مسودة اتفاق، فإن المؤتمر أوصى فقط “بتكثيف العمل لوضع صيغة هذه المسودة قبل شهر مايو/أيار 2015 . وعلى الضد من اتفاق معظم الدول الغنية في المؤتمر مع قول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المؤتمر بأن أكثر من نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تصدرها الدول النامية، فإن الأخيرة دفعت بقوة بحجتها المعتادة، وهي أنه يتعين على الأسرة الدولية السماح لها بتطوير اقتصاداتها النامية وعدم وضع أي عراقيل أمامها، بما في ذلك قيود مكافحة الانبعاثات . مع تأكيدها بأن الدول الغنية تبقى مسؤولة تاريخيا عن حجم تركيز الانبعاثات،  وأنها ما  زالت تتصدر قائمة الدول في الانبعاثات بالنسبة للفرد   
(Per-Capita Emissions)
       وقد رفضت الدول الغنية عملياً الوفاء بتعهداتها المالية لمساعدة الدول النامية لتمكينها من خفض انبعاثاتها (Mitigation)، والتكيف (Adaptation) مع الآثار الاقتصادية والبيئية الناجمة عن تغير المناخ .

كل هذا جيد بطبيعة الحال من وجهة نظر مجموعة ال 77 + الصين (الدول النامية) الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، لجهة إبعاد شبح تحمل جزء من الأكلاف المالية والاقتصادية اللازمة لخفض الانبعاثات على الأصعدة الوطنية . ولكن هذا بحد ذاته ليس كافياً لإبعاد الاستهداف عن الوقود الأحفوري، وخصوصاً منه النفط، والذي صار يقترب أكثر فأكثر من تحقيق غايته . فالتدقيق في بيان ليما بكليته، يفيد بصورة لا لبس فيها بأن الاتفاق الجديد سيكون ملزماً لكافة الدول، بما فيها الدول البترولية، وأن جولات التفاوض المقبلة، حتى لو لم تتمخض عن التوصل إلى صيغة بروتوكول تنفيذي جديد للاتفاقية، فإنها ستشهد الدخول في تفاصيل التوزيع الكمي لنسب الخفض التي سيتم الاتفاق عليها وعلى مصادرها، وعلى رأسها بطبيعة الحال النفط الذي يشار اليه دائما بالوقود الاحفوري الذي يشمل أيضاً الفحم والغاز، وذلك مع الاقرار بهذا الصدد بأن بيان ليما لم يتضمن أي الزام للدول الأعضاء لتقديم بيانات تفصيلية عن أهدافها التخفيضية للانبعاثات Prospect reductions targets)) .

يضاف إلى ذلك البيان الرئاسي الأمريكي الصيني المشترك المشار إليه آنفاً، والذي يعد اختراقاً نوعياً للموقف الموحد الذي لطالما تمتعت به مجموعة ال 77 + الصين، والذي شكل سداً منيعاً أمام المحاولات المتواصلة للدول الغنية لإلزام الدول النامية بتحمل قسطها من الجهد الدولي لخفض الانبعاثات . فالبيان يتضمن لأول مرة إقراراً صينياً بأن يكون البروتوكول التنفيذي الجديد لاتفاقية تغير المناخ ملزما لجميع الدول الأعضاء في الاتفاقية .

والأكيد في ضوء تداعيات هذه المواقف المستجدة لأطراف التفاوض الرئيسية، هو أن تعمد الدول الغنية من جديد في مؤتمر باريس القادم (خصوصاً وأنها “تلعب على ملعبها”)، إلى إعادة طرح “مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة” (The Principle of Common But Differentiated Responsibilities) والضغط على الدول النامية للتخلي عنه أو تعديله، بما يفتح الباب على مصراعيه لاستدراج التزامات كمية مرهقة للاقتصادات البترولية . خصوصاً وأن من المؤكد أن تقوم الدول الغنية بتشكيل أقوى وأوسع وأثقل تمثيل على مستوى رؤساء الدول في مؤتمر الأطراف ال 21 في باريس لممارسة ضغط معنوي وسياسي على رؤساء وفود الدول النامية لحثها على “اتخاذ مواقف وخطوات بناءة” في هذا الصدد . مثلما ستشهد الشهور المتبقية على انعقاد لقاء باريس، ضغوطاً مكثفة على أطراف التفاوض للتوافق على صيغة الاتفاق الجديد الذي سيعرض على مؤتمر باريس لإقراره بحسب مقررات “منهاج دوربان” (Durban Platform) الذي أقرته الأطراف جميعاً في مؤتمر الأطراف ال 17 الذي عقد في مدينة دوربان بجنوب إفريقيا في عام ،2011 والذي قضى بالتوصل إلى اتفاق جديد في عام ،2015 بحيث يكون ساري المفعول في عام 2020 . مع الاستدراك أن كل ذلك لا يعني بالضرورة تمتع هذه المحاولة بفرصة نجاح أكيدة .

بهذا المعنى، فإن إمكانية إبرام الاتفاق في باريس في عام ،2015 تتمتع بفرص نجاح تفوق فرص الفشل . أي إننا هنا في دول مجلس التعاون يتعين علينا من الآن فصاعداً أن نتابع التطورات والمستجدات المتعلقة بهذا الموضوع عن كثب، ووضع قطاعاتنا البترولية والقطاعات الاقتصادية الأخرى المرتبطة بها مباشرة أو غير مباشرة، في صورتها أولاً بأول، لأن الموضوع يتعلق بمصير قطاعاتنا المفتاحية . وهذا ما سنحاول فعله من خلال هذه المساحة.

 
 
حرر في 30 مارس 2015