المنشور

نحن حبّات البذار

إن قدر لي الزمن المشحون بالتناقضات ألا واقعية أن احمل
قلمي وأدون ما يدور في مخليتي من ذكريات هي عزيزة عليّ وعلى كل الرفاق الصادقين في
حمل المبادئ الانسانية والأخلاقية والتي تشرّبنا منها كؤوس النضال في أقبية السجون
بحلاوة العسل ومرارة الحنظل وغنينا أناشيد الودّ والمحبة ، سوف اكتبها بضمير حيّ و
واقعي  وانشد مع رفاق السجن أغنية نحن حبّات
البذار التي جسدت في معانيها حلاوة الحياة وحلاوة النضال الشريف ونبأتنا بمستقبل
بهار.

نحن حبّات
البذار




نحن لا ننمو جميعا ً عندما يأتي الربيع ْ



بعضـُنا يهلك ُ من هول ِ الصقيع ْ



وتدوس البعض َ منا الأحذية ْ



ويموت البعض ُ منا في ظلام الأقــْبية ْ



غير أنـَّا كلــَّنا لسنا نموت ْ



نحن حبَّاتُ البِذارْ



نحن نعلمْ أن أطلالَ القبورْ



ستُغطِّى ذاتَ يومٍ بالسَّنابلْ



وسينْسى النَّاس أحزانَ القرونْ



وسينسون السَّلاسلَ والمقاصلْ



والمنافي والسُّجونْ



وسنكسو الأرضَ يوماً بالزُّهورْ



وستأسو الفرحةُ الكبرى جراحاً في الصُّدورْ



فرحة النصر إذا جاء الربيع



نحن إذ نحيا فمن اجل الربيع



وإذا متنا فمن اجل الربيع

هذه مقدمة احب ان اسردها لتكون مدخل لكيفية تنامي الشعور
العمّالي في نفسي وفي نفس رفيق الدرب المرحوم جليل الحوري حيث حملني على اكتافه في
عام 1965 في انتفاضة العمال ودار بي في اسواق المنامة وأنا اهتف بنضال الطبقة
العاملة وبسقوط الاستعمار البريطاني.

 هذه العلاقة
التي استمرت قرابة 3 سنوات في التخطيط الى الظهور في المسيرات العمالية بعدها
افتقدني من على الساحة العمالية حيث ذهبت الى جمهورية المانيا الديمقراطية من اجل
الدراسة، هناك كانت البداية .. تعلمنا منها النظام والمبادئ العمالية ودروس في
الثقافة التنظيمية، سرنا في الكثير من المسيرات الجماهيرية التي تطالب بحقوق
الانسان وكرامة الشعوب وكذلك في مسيرة الاول من مايو عام 1969 وكانت في احدى مدن
المانيا حيث ارتدينا قمصان الشبيبة

FDJ









 وتكررت هذه المسيرة في
1970 في هذه المدينة الواقعة في اقصى الجنوب كانت تشتهر بصناعة الدراجات النارية

MZ








.

في الحرب العالمية الثانية قُصفت
من قبل الحلفاء لكن وعوا الالمان بذلك حيث بنوا سياج من اشجار الصنوبر في أعالي
الجبال حتى لا تكشف من قبل طيران الحلفاء وحافظوا عليها لكن البرسترويكا الخبيثة دمرت
كل شيء.

 عند الرجوع إلى ارض الوطن الغالية بدأت
الملاحقات البوليسية في كل عمل احصل عليه حتى منعت من قبل وزارة العمل والشئون
الاجتماعية في العمل في الدوائر الحكومية وجميع المؤسسات التابعة للدولة من بابكو وألبا
والمطار بجانب وضع الاسم على  اللائحة
السوداء حتى اضطر بي المقام ان اعمل في جزيرة البا وهناك عندما علمت المخابرات
بذلك اصدرت تعاليمها ان لا اعمل في هذه المنطقة الحساسة.

كنت في هذا الوقت قد تعرفت على
شخصية انجليزية تحمل الافكار التقدمية ورشحني الى العمل في البا وفعلاً اجروا  عليّ الامتحان وحُدّد المعاش وبعد ايام معدودة حصلت
على رسالة من الشركة بتاريخ 14 ابريل 1971 موقعة من قبل









 M-A SHAHER










المنيوم
البحرين انه لا يوجد هذا الاختصاص في البا، وعندما اخبرت الانجليزي بذلك قال لي
بالحرف الواحد انت على قائمة الممنوعين من العمل في البا ، بعدها انتقلت الى شركة
برون اند رود،  هناك كانت الصدفة الجميلة
مع جليل الحوري بدأنا في نشر الوعي العمالي في صفوف الطبقة العاملة عن اول مايو
وان يكون عطلة رسمية لكل الطبقة العاملة في البحرين أسوة بنظائرهم في الدول
الاشتراكية وفي العالم المتحضر.

بدأنا في التعاون للاحتفال بهذا
اليوم حيث امتنعنا عن العمل في مختلف المواقع لمدة ساعة بعدها زاولنا العمل، في
البداية كان العمال يتساءلون عن مغزى اول مايو، شرحنا لهم عن هذا اليوم المجيد وهو
عن اول انتفاضة حدثت في شيكاغو عام 1886 وراح ضحيتها كثير من العمال حيث كانوا
يطالبون بتقليل ساعات العمل وتوفير عناية صحية لهم وتعديل رواتبهم إلا ان
الامبريالية الاستعمارية قمعتهم بوحشية وقدمت رموزهم إلى المشانق حيث الاعدام
مصيرهم وبعد سنوات من التمحيص في من ارتكب هذا المجزرة اعادوا الى رموز الانتفاضة
كرامتهم وخلدوهم بهذا اليوم المجيد باسم أول مايو.

الحقيقة في منتصف 1971 تحركنا
عن تشكيل تجمع عمالي يطالب بالحقوق العمالية في هذا التحرك تعرفنا من ان هناك
مجاميع اخرى عمالية تسير على نفس الموال وهي فلول تجمعت من عمال الكهرباء
المفصولين وإضرابات المطار وبقايا من عمال بابكو، هذه المجاميع تحركت نحو المطالب
العمالية، بدايةً وضعنا عدة نقاط من اجل التحرك اهمها، هل ان التحرك يكون علنياً
او سرياً ، الا ان في المناقشات توصلنا الى ان يكون العمل علنياً واتفقنا على اسم
اللجنة وهو اللجنة التأسيسية لاتحاد العمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة وكتبنا
عريضة موقعة من قبل عشرة اشخاص عباس عواجي، هشام الشهابي، يوسف الصباح، عبدالله
مطيويع، صالح محمد صالح، علي الشيراوي، يوسف يتيم، حسن الستراوي، جليل الحوري و
إبراهيم رجب وقدمت الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بعدها قمنا بجمع التواقيع
والمطالبة بتطبيق قانون 1957 الذي ينصّ في الباب الثالث منه على تشكل النقابات،
كان التجاوب في هذا المضمار من اروع ما يكون، وبدأت اللجنة تقدم الاوراق الى وزارة
العمل وبدأت الاجتماعات الدورية مع الوزارة حيث كان الاتفاق مع الوزارة ان نكون
على اتصال معها في شرح تحركاتنا ،هنا بدأ الوعي النقابي ينتشر في جميع مؤسسات
الدولة وبدأ الحديث عن اللجنة في المجالس اليومية ،عند ذلك اشعرتنا الحكومة في ان
الاجتماعات ممنوعة وبدأت الملاحقات والاعتقالات الفردية، بعضنا عند سماع هذا الخبر
انسحب من اللجنة التأسيسية بخلق الاعذار تارةً وعدم الحضور في الاجتماعات الدورية
تارةً ولكن  الكوادر الحزبية بوعيها
النضالي وبإيمانها بحقوق الطبقة العاملة بدأت المواصلة في نشر الوعي العمالي حتى
جاءت سنة 1972 بدأت الاضرابات من شهر فبراير في مختلف العمل من المطار وبعض البنوك
وبعض قطاعات الصحة وألبا، بعدها في شهر مارس من نفس العام 1972 جاءت الاضرابات
الكبرى في جميع المنشئات الصناعية في البحرين بعدها جاءت الضربة الكبرى بزج جميع
اعضاء اللجنة التأسيسية في السجن ونقلونا الى جدا جزيرة الاحلام حسب تعبير المرحوم
مجيد مرهون، هناك في السجن احتفلنا بأول مايو وكان الاحتفال بسيطاً. قمنا بتوزيع
الحلويات على المساجين وشرحنا المفاهيم العمالية وأن هناك قوانين في البحرين لم
تطبق منذ 1957 وهذه القوانين تخص الطبقة العاملة والنقابات.

بعد اطلاق سراحنا في 1973 خرجنا
بمسيرة عمالية تطالب بتطبيق بنود القانون هذه المسيرة نثرنا فيها الورد والمشموم
على العمال لكن السلطة القمعية  مارست
اسلوبها القمعي في زج الكوادر العمالية في السجن ، وفي نفس العام في شهر اكتوبر
حدث العدوان على مصر وعلى اثر ذلك توقف ضخ البترول الى الدول الاروبية وخصوصاً
الدول التي شاركت في الحرب لكن بعض الدول المصدرة للبترول تلكأت في تطبيق بنود
الاتفاق التي اجمعت عليه منظمة الاوبك ، عند ذلك بدأنا في مسيرة تطالب بوقف تدفق
البترول الى الخارج وان تلتزم البحرين بتطبيق بنود الاتفاق، وكان المصير هو السجن الانفرادي،
كل ذلك لم يمنعنا من المواصلة في النضال العمالي هذا النضال وهذا التحرك الغرض منه
مزيداً من المكتسبات العمالية وتحقيق الاهداف المشروعة للطبقة العاملة والحث على
تطبيق القوانين التي تجيز حرية العمل النقابي، لم يكون هذا التحرك في يوم من
الايام عفوياً بل جاء عبر دراسة ميدانية ودراسة القوانين الموضوعية وما جاء في بعض
الصحف من ان العمل النقابي كان عفوياً لم يكن صحيحاً وكنا نعي  كل الظروف التي سوف تواجهنا مستقبلاً سواء كان
السجن او المنفى الاجباري او قطع الارزاق، وعن ما جاء في صحيفة الايام العدد 8991
بتاريخ 27/11/2011 على لسان محمد المرباطي والذي يقول فيه (هذا التحرك عفوي كباقي
التحركات العمالية العفوية التي تخلو من بُعدها النقابي لأسباب غياب الوعي والنضج
النقابي وسط الحركة العمالية التي عجزت عن افراز حركتها النقابية) إذاً: فماذا
تسمي تمثيلك الى اللجنة التأسيسية خارج البلد مدة ثلاثة قرون ماذا يعني ذلك في
تمثيلك إلى اللجنة؟، هل هو عدم وعيك النقابي في التمثيل؟.

كنا نسير في خُطا الطبقة
العاملة ونتحسس  كل مطالبها، و عملنا يوم
تبرع من أجل مساعدة كل من فصل من العمل، و في عام 1974 وعند تشكيل المجلس الوطني
تقدمنا بطلب لمناقشة قضية العاطلين عن العمل ومزاحمة الاجانب للبحرانيين في كل
المنشئات الانشائية في هذا العام بالذات تشكلت اربع نقابات عمالية البا، الصحة،
الكهرباء والإنشاء حيث تقدمت نقابة عمال الانشاء بطلب اشهارها إلا ان الوزارة رفضت
ذلك مطالبة النقابة بوضع قانون لها.

كانت الحكومة تعرف جيداً
ان  اغراق البحرين بالعمالة الاجنبية
تستطيع من خلاله ان تكسر انتفاضة العمال.

لكن كان هذا التفكير انقلب على
الحكومة في خلق نوع من عدم الرضا في جميع مؤسسات الدولة ومنشئاتها، في هذا العام
احتفلنا في المحرق بإقامة مهرجان خطابي بأول مايو وكان الاحتفال في ناديالبحرين الرياضي في المحرق.

هذا الاحتفال استشعرت الدولة
منه  تنامي الوعي العمالي فتهيأت الى ضربة
قاسية كنا على علم بذلك عبر التسريبات الحزبية، كانت الضربة قاسية على كل عناصر
الطبقة العاملة سواء كانت الحزبية او العمالية وفعلاً حدث ذلك في 25/6/1974 حيث
كان الاعتقال مصيرنا جميعاً، في السجن واصلنا في صفوف المساجين بخلق الوعي العمالي
وغنينا اغانينا الحلوة (عمي يا بو شاكوش) لم نتوقف عن طرح مبادئنا حتى في احلك
الظروف وكان شعارنا ان نخلق من لاشيء شيئاً ولو في اقبية السجون المظلمة.