المنشور

من هم اليساريون الجدد؟

من خلال متابعتي لما يحدث في مصر العزيزة، اكتشفت أن هناك قوى شبابية
سياسية جديدة تُطلق على نفسها «الشيوعيون الجدد»، ولم أندهش عندما قرأت
أنها لا تضم مصريين ومصريات فقط، ولكن أعلنت عضوة شابة في الحزب الشيوعي
الكردستاني أنها انتمت لهذه الحركة، وشابة أخرى من الحزب الشيوعي
الإسرائيلي «راكاح» أعلنت انضمامها لهذا التنظيم، فنستطيع بذلك الإطلاق
عليه صفة «كسموبوليتي» وليس أمميا.

ورغم أن التجارب علمتنا أن
الشباب المتحمّس يؤسس تنظيمات سياسية ثم تتلاشى هذه التنظيمات بسبب خفوت
هذا الحماس، أو عدم بناء التنظيم على أسس تنظيمية سليمة وكذلك عدم وضوح
الرؤية لدى هذه التكوينات الشبابية.

وقد ظهر مصطلح اليسار الجديد
بقوة وتم التأصيل الفكري له في أحداث 1968 في فرنسا أثناء حركة الطلاب التي
بلورت النسق السياسي والفكري لليسار الجديد في أوروبا بشكل عام، وتبنّاه
عدد من المثقفين والمفكرين مثل هربرت ماركوزا أستاذ المناضلة الأميركية
أنجيلا ديفز وكذلك شارك جان بول سارتر وجان كوكتو، وذلك على خلفية الخلاف
مع الحزب الشيوعي الفرنسي الذي يرى أن انتفاضة الطلاب ليست إرهاصاً لثورة
اجتماعية وطنية، بينما رأت مجموعات الطلبة الثائرة أنها ستفضي إلى ثورة،
كما انتقد هؤلاء الطلبة اليسار التقليدي أو الأحزاب الشيوعية في البلدان
المختلفة وبالأخص في الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية، بل ألقت
باللائمة على شخص لينين نفسه، بأنه السبب في الانحراف عن النظرية
الماركسية، لكن بعض قيادات الطلاب ذاتها انحرفت لاحقاً عن طريقها «الثوري»
وانضمت إلى الحكومات اليمينية وأصبح بعضها من رجال الأعمال، لكن اليسار
الجديد في أوروبا ظل حتى الآن مع بعض التعديلات.

وفي الساحة العربية
تحولت بعض الأحزاب القومية التي كانت تنتمي لحركة القوميين العرب إلى
الفكر الماركسي، بعضها بشكل مشوّه وبعضها اقترب من الخط العام للأحزاب
الماركسية، مثل الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة
والجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش التي كانت أكثر راديكالية، وكذلك
التقدميون الديموقراطيون في الكويت والجبهة الشعبية في البحرين وغيرها من
فصائل اليسار الذي اعتبر نفسه جديداً.

لكن الملاحظ أن هذا اليسار
الجديد كان متأثراً بالنزعة الغيفارية المغامرة والمقاومة الفيتنامية
بقيادة هوشي منه وماوتسي تونغ في الصين، لكن الكثير من هذه التنظيمات
العالمية وبعض العربية نضجت وبعضها تحلل مع الزمن، وهذا اليسار الجديد
يختلف عن اليسار الجديد بأطيافه المختلفة في أميركا اللاتينية التي تبنت
أحزابه الكفاح المسلح ولا يزال بعضها على رأس السلطة اليوم، والتي انحرف
بعض قادتها عن الخط الديموقراطي بعد تعديل الدساتير بحيث يحكم القائد مدداً
طويلة، ولكنها وصلت إلى الحكم بتأييد شعبي كبير وبانتخابات شفافة ونزيهة.

وبعد
انهيار التجربة السوفييتية 1990 أصبحت هناك تقييمات مختلفة حول الاشتراكية
والماركسية، فانزلق عدد من الأحزاب الشيوعية أو أفراد منه إلى الاتجاهات
الليبرالية والقومية بل بعضها إلى النيوليبرالية، كما ساهمت الأزمة
الاقتصادية الرأسمالية البنيوية 2008، إلى تشكل تيارات يسارية ومنها في بعض
الدول العربية وأيضاً بعض تيارات الناصرية الجديدة.

وتعود بعض
أسباب ذلك إلى الجمود العقائدي وتنفّذ واستبداد قيادات بعض الأحزاب
الشيوعية، وعبادة وتقديس الفرد، وحتى بعد تغيّر المستجدات في العالم
والتطور التكنولوجي الذي فرض نمطاً جديداً للواقع لم تستطع تلك الأحزاب
الانطلاق من هذا الواقع الجديد إلى النظرية التي تعتبر مرشداً وليست عقيدة،
كما لم تطبق المركزية الديموقراطية بجدلية علمية ولكنها ركزت على المركزية
على حساب الديموقراطية في أحزابها، واحتفظت بالمصطلحات الملتبسة التي لا
تفهما الجماهير العادية، رغم أن الانحرافات عن النظرية قديمة منذ ماركس
وإنجلز كما هو واضح في نقد برنامج غوتا.

هذا اليسار الجديد على
تنوعه يقف على أرضية معاداة الامبريالية وسياسات النيوليبرالية، رغم أنها
تحقق في خطها الفكري أحياناً الأهداف التي وضعتها البرجوازية الرأسمالية
لنفسها، وتحرف نظر الجماهير عن النضال الجماهيري ومطالبه الحقيقية، كما أن
مكوناتها الرئيسية هي من البرجوازية الصغيرة، بل لا يعترف بعضها بوجود طبقة
عاملة، وهناك خلاف بين الأحزاب الشيوعية الأوروبية حول أهمية التحالف مع
اليسار الجديد في جبهة واسعة ضد السياسات النيوليبرالية والعولمة.

وليد الرجيب