المنشور

نواب الخيبة..!

عن أداء النواب نواصل الحديث.. لامناص من ذلك.. والمجال يتسع لكلام كثير ومرير..
حسبنا بادئ ذي بدء ان نذكر مجددا – لعل الذكرى تنفع – بان المتبقي من عمر البرلمان الحالي لاتتعدى شهرين، نحسب ان هذا وحده كاف لنواصل الحديث عن اداء النواب .. لعلنا نمضي وغيرنا على طريق تقييم التجربة البرلمانية.
نعلم بان الاداء البرلماني ظل مدعاة للكآبة، والغيظ والأسى.. ولكن ان يصل رصيد استفزاز النواب الى ما وصل اليه والى الحد الذي لايرون فيه بأن هناك رأي عام من الواجب ان يحترم، فذلك يدلل بما فيه الكفاية ان العمل البرلماني، بهذا الشكل، وهذا المستوى، وهذا الاداء، وهذه المخرجات هو في أبسط تحليل عمل عقيم..!، واذا كان هناك من يحسن الظن بالنواب او يعوّل عليهم في شيء خاصة وهم في النزع الاخير، فليتفضل ليشرح لنا ولغيرنا هذا الذي ليس بمقدور النفي ان ينفيه.. مما يحتاج الى شجاعة.. شجاعة الاعتراف بالخلل.. وشجاعة الاقرار بان الناس في هذا البلد يتحملون بصبر ومشقة تبعات هذا التهريج في المسرح البرلماني.. !! 
نعم.. انه تهريج.. هذا الذي يمارسه بامتياز نواب كثر.. هل فكرتم في معنى «التهريج» في قواميس اللغة انه يعني فكاهة.. ويعني تشويش واضطراب وقول مايضحك.. انه ايضا يعني خلط وتجاوز وتجاهل للحدود.. والمهرج أيا كان هو الذي يضحك الناس.. يقوم بحركات لاتعبر عن شيئ.. المهم ان يسلي الناس ويضحكهم ويزيل الغم والهم والكدر عنهم..
نوابنا يفعلون ذلك بامتياز، ودون تورية وجدناهم وفي العلن وبفجاجة لايتورعون عن شيء في سبيل ذلك، وبدأ بعضهم لا يدخر جهدا ولاطاقة من اجل امتاعنا خاصة حين ظهر لنا معظمهم وكأنهم لايفكرون إلا بأمر، ولايعترضون او يؤيدون إلا بأمر، و»لايبصمون» او يوقعون على بيانات إلا بأمر، ولايتخذون موقفا إلا بأمر، ولايعلنون عن استجواب إلا بأمر، ولايسحبون مشروع استجواب إلا بأمر، ولايعرقلون مشروعا الا بأمر.. هل تذكرون..
الاستجوابات.. او على وجه الدقة والتحديد مشاريع الاستجوابات والتي أذهلنا فيها ذلك الكم من مظاهر «الجعجعة» وكل مايعد «كارثة» في سياقات العمل البرلماني و»اغتيالا» لقيمة الاستجوابات وكأن هناك من دبر وخطط لالحاق الأذى بهذه القيمة والاستهتار بمقامها وبالمجلس.. 
النواب العباقرة، جميعا قديمهم وجديدهم.. كتلا ومستقلين.. وجدناهم في اكثر من مرة وبنبرة عالية وهم يشعلون الساحات بالخطابات الرنانة مهددين متوعدين بانهم سيمارسون دورهم الرقابي»كممثلين للشعب»..!!، مستمرين في اجترار الكلام عن استجواب هذا الوزير وتلك الوزيرة.. يكفي ان نتابع تلك الضجة حول مسرحية استجواب وزير المالية، وقبله مشروع استجواب وزير البلديات وقبله وزير المواصلات، وقبله وقبله وما آل اليه وضع مشاريع الاستجوابات هذه لكي نعرف ان نوابنا ومن دون تجن او تعسف على الوقائع كانوا ولازالوا في دائرة الكلام الهراء والسياسات الهراء.. والممارسات البرلمانية المفجعة، هذا اقل مايمكن ان يقال عن تلك الاطلالات التي فاجئنا بها النواب حول الاستجوابات التي بات واضحا انها اخضعت لوجبات دسمة من «الثرثرات» التي لاتسمن ولاتغني من جوع ولنيات مبيتة ومآرب تضمر شيئا واشياء وحسابات.
مثير حقا ان يحاول بعض النواب استصغار عقول الناس الى الدرجة التي ارادوا ان يظهروا لنا بان تلك «الجعجعة» انتصارات، وان الربح الخاص انجازات عامة، وان العبارات الجوفاء والجلبة والضوضاء دفاع عن الشعب، تمعنوا جيدا فيما قاله احد النواب حين تم سحب استجواب وزير المواصلات في الوقت الذي كان فيه اصحاب النواب يستعدون للضغط على زر التصويت.. قال: «ان المستجوبين وبكل امانة وثقة قرروا استرداد الاستجواب ليس خوفا ولاضعفا بل قوة وعزيمة لتعديل بعض محاوره..» ولاينسى النائب ان يلفت انتباهنا بقوله: «انهم اي النواب، رأو الالتفات لبعض القضايا الهامة والملحة وبان الرسالة التي يريدون ايصالها الى الحكومة قد وصلت».. ويضيف:»ان النواب لاينسون ان يؤكدوا احتفاظهم بحقهم في استخدام الاداة الرقابية في اي وقت يجدون فيه تقاعسا او تجاوزا في عمل الحكومة..»!
أيعقل هذا الكلام الذي يحتمي بالمصطلحات وعناوين من نوع احقاق الحق والقوة والعزيمة والمصلحة العامة والتمسك بالدور الرقابي وبان لامساومة عليه ولامجال للاجتهاد فيه، هذا الكلام لم يكن مقنعا، بقدر ما ليس بمقنع مسرحية استجواب وزير البلديات.. وهي المسرحية التي اظهرت وكأن الفشل فضيلة.. حين كشف بان هناك من النواب من يعرقل استجواب الوزير لاغراض انتخابية.. وبالتحديد بسبب مخافة دخول هؤلاء النواب مع صراعات مع وزير مسؤول عن وزارة خدمية مما يخشى معه ان تعطل طلباتهم ومشاريع دوائرهم ومن ثم لا يعاد انتخابهم.. وجاءت الطامة الكبرى في الجلسة التي عقدت في 25 مارس والتي نظرت في طلب الحكومة بالاحتكام الى هيئة الافتاء والتشريع القانوني لحسم شبهة عدم قانونية التصويت على استجواب وزير المالية والتي شهدنا فيها كيف أوغل نواب كثر في التخليط والهرج الامر الذي كان من نتيجته هذه النقائص والرذائل والشطط في الاداء البرلماني والعراقيل المفتعلة والعصى التي وضعت في دواليب الاستجواب.. مسرحية الاستجواب بدأت في جلسة سابقة عقدت في 11 مارس وهي الجلسة التي بدأت بسرقة طلب الاستجواب.. ثم تراجع نواب بعينهم عن الاستجواب، ثم تلكؤ كتل برلمانية بعينها عن استكمال متطلبات الاستجواب.. ثم اعلان بعض النواب عن توافق، ثم تهديدات مبطنة واخرى مباشرة من بعضهم، تم اعلان اصرار البعض المضي في مشروع الاستجواب.. ثم افتعال اللغط حول سرية او علنية الاستجواب.. ثم الحديث عن جدية الاستجواب.. ثم السعي لاسقاط فكرة الاستجواب من الاساس.. وتلى ذلك محاولات تفكيك الاستجواب تمهيدا لوأده في ظل ماقيل بانه تحالف حكومي نيابي.. وتتوالى «الهرجلات» التي زادت من عبثية المشهد البرلماني ومايشين التجربة البرلمانية برمتها.. 
الجلسة اياها كانت حافلة ومليئة بالغمز واللمز وتبادل الاتهامات بين مقدمي ومؤيدي طلب الاستجواب.. وظهر ان خلاصة هذه الجلسة هو احالة مشروع الاستجواب الى مثواه الاخير.. بعد ان اسقط النواب بعضهم البعض وظهروا وكأنهم سحبوا اختصاص رقابتهم وفوضوها الى جهاز حكومي، وبلغ الامر بان يصرخ نائب بان هيبة المجلس ضاعت بلا رجعة، وآخر الى القول: كيف للنائب المقصر ان يحاسب المسؤولين عن تقصيرهم..؟، وثالث قال: «ماحصل لايحسب للمجلس»، وكأن هذا وحده الذي لايحسب للمجلس، وذهب احدهم «النائب احمد قراطة» الى حد ان يدعو الله ان يعذب المنافقين والمنافقات من النواب والنائبات..!!
لاحظوا التبريرات لهذه «العبثية».. هناك من قال ان مرد ذلك هو محدودية صلاحيات النواب.. وهناك من خرج علينا بالقول ان الخلافات بين الكتل البرلمانية هي السبب، وهناك من رأى ان غلبة المصالح الشخصية على حساب مصالح المواطنين وعلى حساب الوضع الرقابي هو السبب.. وهناك من عزا السبب الى هذه المزايدات والمناقصات ومواقف النواب الفلكلورية التي ألغت الاحساس بالمسؤولية البرلمانية.. 
وهناك من رأى سببا آخر يتمثل في غياب القيم البرلمانية التي تحول دون استغلال البرلماني لصفته النيابية وعدم التدخل في اعمال السلطة التنفيذية ومنها كمثال اختطاف المناصب والترقيات والتنقلات لمن هم محسوبون على النائب او على هذه الكتلة او تلك واسقاطهم للمعايير ودهسها بالاقدام، وهناك من يرى ان وجود بعض النواب مما يشكلون النفي المطلق لفكرة العمل البرلماني السليم وعوض ان يكون النائب ممثلا للشعب نراه يصبح ممثلا لمنطقة او طائفة.
كل تلك التبريرات وغيرها – حيث دائما المخفى اعظم – وسواء تم استجواب وزير المالية ام لا.. الا ان بات العمل البرلماني عبثيا وبائسا بامتياز ومفتقرا للصدقية.
نعود ونقول.. ربنا لاتؤاخذنا بما فعل «النواب»..!