المنشور

مواطن ابن …!

بقلم: عبدالهادي الجميل*


يتفاخر الناس في الخليج
بكل ما يقع بين أيديهم وتحت أعينهم، فنجد من يتباهى بسيارته الفارهة، ومن
يتفاخر بنسبه، ومن يتفاخر بتجارته، ونجد أيضا من يتفاخر بتديّنه!!


هذا الأمر يبدو مفهوما وطبيعيا في دولنا التي تفتقر للمنجزات الحضارية الحقيقية التي تستحق التفاخر والتباهي.


فلن تجد خليجيا واحدا يفتخر
بأن جدّه كان مساعدا لإلكس فليمنج عندما اكتشف البنسلين، أو أن جدّته
اخترعت الغسّالة الكهربائية. أو أن أحد أعمام أمّه أو أخوال أبيه كان من
ضمن الفريق الذي اكتشف ظاهرة الاحتباس الحراري وأثرها المدمّر على الحياة
في كوكب الأرض.


هذا الأمر لا يعيب الشعوب
بقدر ما يعيب الأنظمة الحاكمة التي انشغلت بالحكم والمال بدلا عن تطوير
وتنمية شعوبها بشكل صحيح. وفي سبيل ذلك تحالفت هذه الأنظمة مع رأس المال
والمؤسسة الدينية، وهذا المثلث أصبح قوي جدا وثري ومستمر منذ عشرات السنين
بفضل التوارث الذي أصبح سببا للتفاخر الزائف!


الشيخ أحمد الفهد خرج في
إحدى القنوات الفضائية وقال وهو يرسم بسبابته اليمنى دوائر هوائية متسلسلة
ترتفع إلى السماء: أنا شيخ ابن شيخ ابن شيخ ابن شيخ إلخ إلخ. رد عليه
غريمه، سابقا، السيد مرزوق الغانم في قناة فضائية أخرى ليكرر نفس الحركة
الهوائية قائلا: أنا تاجر ولد تاجر ولد تاجر ولد تاجر إلخ إلخ. أمّا في
السعودية فقد غرّد محمد آل الشيخ قريب المفتي وحفيد محمد بن عبدالوهاب أو
الشيخ المجدّد( كما يوصف)، مخاطبا إحدى المغردات: “اسكتي بس، ترى لولا جدّي
ولّا كان انتي الحين في بيت شعر تغزلين، ولّا ترعين غنم، منتي طبيبة على
وشك التخرج” ثم تقمّصته روح جدّه وقال مهددا ومنذرا ” إعقلي”!


جدّه ظهر في نجد وصنع( كما
يقول الحفيد) من فتيات السعودية طبيبات بدلا من أن يلاقين مصير جدّاتهن
اللاتي أضعن أعمارهن في رعي الغنم في وغزل القطن في الصحاري والقرى، ولكن
ماذا عن طبيبات وعالمات ورائدات الفضاء الأمريكيات والأوربيات؟! هل أنقذهن
الشيخ المجدّد من رعي الأبقار وزراعة القطن والعنب!!


لم يقتصر التوريث في الخليج
على الحكم والتجارة والدين، بل وصل إلى المهن، فالوزير أصبح وزير بن وزير
بن وزير، والسفير أصبح سفير بن سفير بن سفير، والقاضي أصبح قاضي بن قاضي بن
قاضي، والضابط أصبح ضابط بن ضابط بن ضابط، وهلمّجرّا.


لم يذكر التاريخ وضعا مماثلا
لهذا، إلّا في الفترة التي سبقت ثورة الباستيل في 1789م، عندما كانت فرنسا
تختنق بالأمراء والنبلاء والقساوسة. فالأمير كان يفتخر على عامة الشعب
الفرنسي بأنه أمير بن أمير بن أمير، والقسيس كذلك والبارون وأيضا الدوق.
وعندما ضاق المواطن الفرنسي البسيط بكل هذا الهراء، هبّ ليصنع ما جعله
يفتخر بأنه مواطن بن مواطن بن مواطن وما حدث معروف ومدوّن في التاريخ،
وأبسط نتائجه هو اختفاء النبلاء والأمراء والقساوسة.


ليس لدى المواطن الخليجي ما
يفخر به إذا استبعدنا الإنجازات الوهمية التي يتغنّى بها المطربون
والمطربات في الأغاني “الوطنية”، وإذا لم نحسب الغاز والبترول لأنهما السبب
الأول في افتخار الشيخ والتاجر وحفيد شيخ الدين بأنفسهم وتاريخ أجدادهم،
أمّا المواطن البسيط فليس لديه سوى صورة باهتة جدا لمفهوم المواطنة، ولو
أراد أن يفتخر بها على طريقة الشيوخ والتجار والمطاوعة ليقول: انا مواطن
ابن….


لتكالب عليه هؤلاء وقاطعوه قائلين بصوت واحد: انت مواطن ابن ستين(……)!

 _________________________________

*عضو في التيار التقدمي الكويتي