المنشور

تجريم العمل السياسي بطرق ملتوية

في مرحلة ما قبل العام 2001 كان العمل السياسي خارج إطار الحكومة يُعتبر
جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك بحسب التفسير الذي كان معمولاً به منذ
إصدار مرسوم بقانون أمن الدولة في منتصف السبعينات. بعد العام 2001 كان
هناك نوع من التردد في إفساح المجال للعمل السياسي، وكان هناك من يحبذ
اعتماد النهج الكويتي الذي يتغاضى عن العمل السياسي، بمعنى أنه يسمح له
بصورة غير رسمية، من دون قانون يمنع أو يفسح له المجال.

غير أن
الفكرة البحرينية تطورت إلى شيء أقل من العمل السياسي المعتمد في أنحاء
العالم، وبدلاً من السماح للأحزاب السياسية تم اختراع مصطلح الجمعيات التي
تنشغل بالسياسة من دون أن تشتغل بها. وعلى الرغم من رفض الناشطين على
الساحة لهذا المفهوم، إلا أن ما هو معمول به من الناحية العملية كان منعاً
لهذه الجمعيات من العمل كأحزاب سياسية لها برامج محددة للوصول إلى مواقع
القرار.

لاحقاً بدأت السلطات تتضايق من الجمعيات السياسية «التي صدقت
نفسها» وبدأت تتحرك وكأنها أحزاب سياسية، ولاسيما أن بعض المسئولين دأب
على التصريح بأنه لا فرق بين الحزب السياسي والجمعية السياسية، وأن
الاختلاف يكمن في التسمية فقط. غير أن هذا اصطدم بالواقع، وبدأت جهات نافذة
تعلن الطوارئ كلما نظمت جمعية مؤتمراً وكأنها حزب سياسي في أي بلد آخر،
وأصبحت الحالة أقرب إلى الخيال، إذ كانت هناك اتهامات بأن مؤتمراً سنوياً
عُقد في مطلع 2010 لجمعية سياسية وكأنه يمثل تهديداً عظيماً لأمن الدولة.

بعد
العام 2011 انهالت التشريعات بصورة متسرعة من كل جانب وذلك من أجل تجريم
كل خطوة وكل نشاط يقوم به أي شخص وتقوم به أي جمعية، وأصبحت الحالة الآن
تقترب شيئاً فشيئاً من وضع ما قبل 2001، مع فرق بسيط وهو أن مرسوم بقانون
أمن الدولة كان واضحاً ويحتوي على مواد قليلة جداً واستطاع أن يمنع ويجرم
كل النشاط السياسي. أمّا الآن فإن التشريعات تصدر من كل جانب وبمئات
المواد، وهي «تلف وتدور» وتصل في نهايتها إلى نقطة تقترب من تجريم العمل
السياسي. نأمل أن لا نفقد مكتسبات ما تحقق في 2001، والطموح كان يحدونا بأن
تتطور فكرة الجمعيات السياسية إلى أحزاب حقيقية، ولا نصل إلى مرحلة تجريم
العمل السياسي بطرق ملتوية.

منصور الجمري

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4217 – الثلثاء 25 مارس 2014م الموافق 24 جمادى الأولى 1435هـ