المنشور

نحن والغرب

لم تكن كلمة الغرب تعجب إدوارد سعيد ، فهو يرى أن هناك خطراً في استخدامها، والأرجح أن موقفه هذا آتٍ من رفضه للتعميم، لأن مقولة الغرب هكذا على إطلاقها تضع كل ما في العالم الغربي في سلة واحدة، وتحجب التناقضات داخله، فالغرب، شأنه في ذلك شأن المجتمعات والتجمعات والكتل والظواهر الأخرى، يحمل في طياته أوجه تناقض وحتى صراع بين مكوناته .


الكلمة التي يفضلها إدوارد سعيد بديلاً عن كلمة الغرب هي مفردة: “أطلسي”، وهو ربما استوحاها من مصطلح طومسيون: “العالم الأطلسي”، وهو بذا يريد التفريق بين الدلالة الجغرافية للغرب من حيث هو مكان، وبين الدلالة الإيديولوجية لهذا الغرب الذي يريد الماسكون بالأمور فيه تحويله إلى قوة آمرة ناهية، مُوجِهة لمَن هم خارجه، على جري ما فعلته الإمبراطوريات الاستعمارية الكلاسيكية التي تآكلت كالفرنسية والبريطانية أو ما تفعله الولايات المتحدة اليوم .


في اللغة العربية “الغرب” هو كيان جغرافي . فهذه اللفظة لا تدل على موقع أو مكانٍ بعينه، سوى أنه المكان الذي تغرب فيه الشمس، ولأن الأرض تدور فإنه يتبدل معها . بيد أن ثمة من يرى أن الغرب، لغةً، هو عند العرب مكان الظلمات والمجهول، فحيث تغيب الشمس تنتظرك الظلمات . 


والغرب، إلى ذلك، هو أرض الأجنبي، ومنه اشتقت صفة الغريب . ويقال إن تسمية أحد الطيور بالغراب مشتقة، لغة، من هذه اللفظة، ويحمل دلالتها لأن هذا الطير يحمل سوء الطالع ويبعث على التشاؤم .


عودة للعلاقة الملتبسة بيننا وبين الغرب، سنرى أنها مثقلة بمرارات التاريخ الاستعماري الطويل، والإعاقة الغربية الدائمة لأي مسعى نهضوي عربي، لقد حصل هذا مع مشروع محمد علي باشا ومع المشروع الناصري، وارتدادات هذه الإعاقة واضحة فيما يجري اليوم من تبنٍّ أو دعم لما عُرف “الفوضى الخلاقة” التي لا تعني سوى الزج بهذه المنطقة في أتون صراعات مذهبية وحروب أهلية مدمرة لن يكون فيها منتصر .


وللإنصاف علينا ملاحظة أن بواعث من اشتغلوا على مقولة الاستشراق من مفكرينا العرب مثل أنور عبدالملك وعبدالله العروي وإدوارد سعيد نفسه لم تكن بواعث عدائية او انتقامية من هذا الغرب ومستشرقيه، بقدر ما انطلقت من الرغبة في إعمال الفهم النقدي، بالنظر الى الحضارة الإنسانية نظرة كلية، منطلقها التكافؤ ورفض صور الاستعلاء أو الازدراء على حد سواء .


د . حسن مدن