المنشور

دروس من آسيا “صناديق الاقتراع وحدها لا تحل المشاكل”

لو
أشحنا النظر قليلاً عن عالمنا العربي، ونظرنا إلى محيطٍ ليس بعيداً عنا
كثيراً، في تجارب البلدان الآسيوية التي تشدنا إليها أو إلى بعضها أواصر
أخرى غير الجغرافيا، إذا ما تذكرنا أنّ بعضها دول إسلامية، لوجدنا ما هو
جدير بالتأمل والمعاينة، وحتى بما يمكن أن نقيس عليه في غمرة الجدل الذي
تخوضه النخب العربية منذ أمدٍ ليس بقليل، والذي أعادت تنشيطه تحولات عام
2011 وارتداداتها المستمرة حتى اليوم، والمتفاوتة حدة وعنفاً وصخباً بين
بلد وآخر .


هناك دول كالهند مثلاً لها تجربة عريقة في الممارسة
الديمقراطية، ويُقال عن الديمقراطية في بعض تعريفاتها إنها ليست النظام
الأمثل، ولكنه النظام الأقل سوءاً، وإن التجربة البشرية في المجال السياسي
لم تفرز بعد ما هو أفضل منها، مما سمح باعتبارها قيمة إنسانية مطلقة، يتعين
قبولها، بما تجلبه من عوارض جانبية لا مناص منها، تماماً كما يتعين على
مريض تناول دواء فيه الشفاء من مرض عضال، حتى لو كان سيسبب له بعض العوارض،
ففي المحصلة ترجح كفة الشفاء على تبعات هذه العوارض .


ولأن الحديث يدور
حول آسيا، علينا تذكر السجال الذي ساد لفترة من وحي تجربة الدول التي عرفت
بالنمور الآسيوية، أو النمور الصفراء، حين حققت نمواً اقتصادياً مبهراً
رغم غياب الحريات السياسية فيها أو في بعضها، مما حدا ببعض المحللين للقول
إن الديمقراطية ليست شرطاً للنمو الاقتصادي، وإنها في بعض الحالات قد تكون
معيقة له، حين تؤدي التجاذبات والقلاقل السياسية، إلى عدم الاستقرار،
وبالتالي إلى تعثر النمو .


لسنا في وارد المفاضلة، لأن ذلك حديث يطول،
ولكننا في وارد الإشارة إلى أن تداول السلطة بحد ذاته في البلدان النامية،
على إيجابياته التي لا مراء فيها، لم يؤد حتى اللحظة في بلد آسيوي وإسلامي
آخر هو باكستان، على سبيل المثال، إلى التغلّب على الأزمات البنيوية في
التنمية وفي محاربة استشراء الفساد، وفي تحقيق الانسجام الوطني كشرط لوحدة
المجتمع واستقراره .


نحن هنا بصدد معضلات كبرى، ذات طابع حضاري- ثقافي،
لا تؤدي صناديق الاقتراع وحدها إلى حلها أو تجاوزها، وليس المطلوب تجميد
الأوضاع مخافة التغييرات السلبية، ولكن المطلوب ملاحظة أن صناديق الاقتراع
قد لاتؤدي في غياب الوعي الديمقراطي إلا إلى إعادة إنتاج أو تدوير الأزمات،
وفي هذا عظة .



د . حسن مدن