المنشور

الإصلاح: أَمِن الداخل أم من الخارج؟


غدا الإصلاح بأوجهه المختلفة لب أو جوهر أي حديث لا عن مستقبل منطقتنا العربية، لا بل وعن راهنها وواقعها اليوم، فلا مستقبل واعداً ينتظرنا إن لم يقارب هذا الملف الحيوي الذي ينشغل بأمره المشتغلون. ولا يمكن للحديث عن الإصلاح أن يدور دون البحث في آلياته، لأن أي تغيير، سواء كان في السياسة أم في الإدارة أم في الاقتصاد أو في أي مجال آخر يتطلب وجود آلية. 





لكن كثيراً من النقاش العربي حول الإصلاح ينحو منحى يراد منه الهروب من استحقاقات الإصلاح أو الاكتفاء بأخذ القشرة الخارجية منه دون مقاربة ما هو جوهري. ومن ذلك أن الجدل يدور حول مصدر الإصلاح: أيأتي من الداخل أم من الخارج؟!.. وهو جدل يبدو في بعض حالاته جدلاً بيزنطياً، لأنه جدل لا يطرح موضوع الإصلاح ذاته، إنما يفتعل قضية لا صلة جوهرية لها به. 


بعض القول العربي حول أن الإصلاح يجب أن يأتي من الداخل لا أن يفرض من الخارج يبدو أشبه بتحصيل الحاصل، أو لزوم ما لا يلزم لأن قائليه لا يبتغون إظهار حرصهم على أن يتاح للديناميات المحلية في كل مجتمع أن تعبر عن نفسها بحرية في اتجاه أن يشق هذا المجتمع أو ذاك طريقه نحو الإصلاحات ونحو التحولات الديمقراطية الجادة التي لم يعد هناك مفراً منها، كما أنهم لا يبتغون من هذا القول تأكيد بداهة ليست محل جدل وإنما يريدون من ورائه الهروب من فكرة الإصلاح ذاتها. 


ذلك أن الإصلاح قبل أن يصبح مطلباً خارجياً كان في الأصل مطلباً وطنياً وقومياً، مطلباً داخلياً إن شئنا استخدام التقسيم الدارج اليوم. بل أن عديد الأنظمة العربية استقوى بالخارج ليرفض مطالب الإصلاح الداخلي، وإذ دارت الدنيا دورتها وصار هذا الخارج هو من يضغط في سبيل الإصلاح لحاجات ومصالح تخصه هو في المقام الأول، فإن هذه الأنظمة ذاتها التي استقوت بالخارج تريد اليوم أن تعكس الآية، فتستقوي بالداخل في مواجهة الضغوط الخارجية بالإقدام على تغييرات، بحجة أن هذه الضغوط آتية من الغرب الذي يريد المساس بتقاليدنا وثوابتنا وهويتنا.. الخ، والنتيجة في الحالين واحدة: ألا يكون هناك إصلاح أو ألا يكون هناك إصلاح حقيقي.


لا باس أن نتذكر بين الحين والآخر أن الإصلاح الذي يدعو إليه الخارج، في توقيته وفي مراميه، يخدم مصالح آنية وإستراتيجية لمن هم في «الخارج»، أي للقوى الدولية النافذة، لكن الحاجة للإصلاح الداخلي، إصلاح البيت العربي من داخله، حاجة سابقة لهذه الدعوة ولاحقة لها. حاجة ستظل ماثلة، لأنه لا مستقبل للعرب بدون الإصلاح، ليس لأن الخارج يريده، وإنما لأنه ضرورة لا مفر منها من أجل إنقاذ الأوطان من المخاطر، وحماية جبهاتها الداخلية من التصدع والشقاق، وتحقيق ما ترنو اليه الشعوب من حرية العيش وكرامته .