المنشور

الارهاب وقد بات في عقر الدار

  حتى وقت قريب ظل العراق وحده تقريبا في
الساحة العربية يعاني من تتابع موجات ضربات الارهاب، موجة وراء موجة، منذ الاحتلال
الامريكي للعراق في عام 2003، اذا ما استثنينا سنوات الارهاب المنظم أو حرب
العشرية السوداء (1992-2002) التي عانت منها الجزائر اعتبارا من مطلع عام 1992 بعد
الغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في ديسمبر عام 1991 وفازت جبهة
الانقاذ (اخوان مسلمين) بأغلبية مقاعدها على ما أُشيع حينها. ومع ذلك لازال الجيش
الجزائري وقوات الأمن الجزائرية يخوضان حربا متقطعة ضد حوالي 1000 من مقاتلي
الجماعات التكفيرية المسلحة. وكما كان الحال في الجزائر في تلك العشرية الارهابية
السوداء، في العراق أيضا لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تُسجل فيه حوادث تفجير
وأعمال قتل وتدمير وتهجير.


     واليوم لكأن العدوى العراقية انتقلت الى
اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي، وإن بزخم أقل وببعض التفاصيل المتغايرة جزئيا. إذ
في حين يستهدف الارهاب المنظم في العراق المدنيين الأبرياء أساسا الى جانب رموز
الدولة العراقية لاسيما الجيش والشرطة، فإنه في اليمن يركز على قوات الجيش وقوات
الأمن ومقراتهما وقياداتهما.


     ليبيا أيضا تحولت في أعقاب الفوضى التي
رافقت العملية العسكرية الأطلسية والمحلية لاسقاط نظام القذافي في عام 2011، الى
بؤرة متسعة ومتصاعدة الحدة للارهاب، من أعمال تفجير باستخدام السيارات المفخخة الى
استهداف مقار السفارات الأجنبية والى الخطف والاغتيال والاعتداء على حرمة مؤسسات
الدولة.


     وبعد سوريا التي أصبحت محجا للجهاديين
التكفيريين الذين راحوا يتقاطرون عليها من كل حدب وصوب..من البلدان العربية
والاوروبية وجمهوريات القوقاز وغيرها..هاهي تونس تدشن رسميا موقعها ضمن مواقع جبهة
الحرب التي فتحها تنظيم القاعدة وتفريعاته على امتداد قارات آسيا وافريقيا وأوروبا
وأمريكا الشمالية.


     وهاهي مصر تقع هي الأخرى في حبائل استهدافات
التنظيمات الارهابية التكفيرية، حيث كثفت الجماعات الارهابية المسلحة أنشطتها
وعملياتها الارهابية في سيناء في أعقاب سقوط حكم الاخوان بعد ثورة 30 يونيه
الشعبية العارمة، في محاولة، على ما هو بائن، لتكريس سيناء قاعدة انطلاق ارهابية
للتنظيمات المتشربة بفكر القاعدة العدمي.


     وفي المحصلة تبدو المنطقة العربية ولكأن
طوفان ارهابي مدمر يجتاحها من دون أن تكون – حتى الآن على الأقل – في وارد اظهار
الارادة الصلبة والواضحة للوقوف الحازم في وجهه.


     حتى أن أجهزة الميديا الغربية التي تغطي
أحداث الشرق الأوسط، أفردت في المدة الأخيرة مساحات واسعة من تغطياتها لما صارت
تطلق عليه صعود القوة الضاربة للقاعدة. فإلى جانب مجلة الايكونومست البريطانية التي
تداوم على مواكبة هذا التطور حثيثا والصعود النوعي اللافت لأنشطة تشكيلات تنظيم
القاعدة في منطقة الشرق الأوسط والشمال والقرن الافريقيين، فإن الصحف الامريكية
التي تولي اهتماما خاصا بأنشطة الجماعات المسلحة المحسوبة على تنظيم القاعدة
وتفريعاته، قد لاحظت هي الأخرى مثل هذا الصعود النوعي لأنشطة القاعدة. وقد كتب صقر
المحافظين الجدد المعروف جون بولتون مقالا في “نيويورك بوست” بتاريخ 22
يناير 2013 ذكر فيه بأن “منطقة الشرق الأوسط قد دبت فيها الفوضى، وان الربيع
العربي لم ينتج عنه خيارات تنموية سلمية مضادة لمنهج القاعدة الارهابي، وانما على
العكس، فقد شجّع الربيع العربي وساعد على تعميم الظاهرة والخيار الارهابيين مع
صعود الاسلام الراديكالي الى السلطة في مصر، بما صار يهدد أنظمة صديقة للولايات
المتحدة”. ومع ان المقال قد كُتب بنَفَس كيدي فاقع للنيل من مقاربة الرئيس
أوباما الخاصة بمحاربة الارهاب، الا أن استنتاجاته تبدو متوافقة مع واقع الحال
للاسف الشديد.


على
ان مكمن الخطر الجسيم فيما نقرأه من تطور نوعي لنجاح التنظيمات الجهادية في
“النفاذ” السريح والمادي الى عموم الساحات العربية، يتمثل في زوال
الحواجز، التي كانت مصطنعة بحكم الضرورة، بين الاسلام الدعوي التكفيري الذي يزاول
نشاطه بكل يسر وأريحية وبين الاسلام الجهادي التكفيري. ولكأننا أمام نوع من أنواع
“التطبيع والتساكن” ليس مع فكر القاعدة هذه المرة وحسب (حيث ازداد تجاسر
الجماعات المحسوبة على فكر وتنظيم القاعدة، وظهورها المكشوف وتعبيرها العلني عن
موافقها ونواياها)، وانما “التطبيع والساكن” أيضا مع الوجود المادي
للتنظيم، أي مع شخوصه والمتحدثين باسمه، وذلك في سياق علاقة تخادم خاصة أملتها،
كما هو واضح، ملابسات ظروف الاستقواء به في معمعان جهالة التحشيد الطائفي المسعور
الذي يجتاح طوفانه المنطقة منذ بعض الوقت.


فالارهاب
بهذا المعنى صارت له حواضن تأويه وترعاه، ما أهّله للتكشير عن أنيابه في أوجه
الجميع، معلنا عن نفسه باعتباره التحدي رقم واحد الذي يواجه اليوم الكيانات
العربية والاسلامية وحضارتها.