المنشور

نعي دولة الرفاه




نعت الحكومة الكويتية إلى شعبها “دولة
الرفاه”، من خلال برنامج عملها وعلى لسان رئيسها سمو الشيخ جابر المبارك
الصباح، هذا البرنامج انطوى على كثير من السلبيات التي تمسّ معيشة المواطن،
وبالأخص الطبقة العاملة والفئات المحدودة الدخل والمهمشة.



كان أبناء الشعب يأملون -لكن دون أوهام-، بأن الحكومة ومن
خلال تصريحاتها المتكررة ووعودها ستعود إلى نهج بناء الدولة الديموقراطية الحديثة،
وإعادة الاعتبار للدستور وإن كان في حده الأدني الحالي، وتطبيق مواده التي تحقق
دولة المواطنة والقانون والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.



نقول دون أوهام لأن الشعب الكويتي اعتاد التصريحات
الطنانة عن توجهات حكومية إصلاحية وخطط تنموية رُصدت لها مليارات الدنانير، ولم
يعد يصدق أو يعتدّ بهكذا تصريحات بعد إخفاق الحكومات المتعاقبة بتنمية مستدامة
يكون محورها الإنسان الكويتي.



لقد كان مصدر فخرنا ككويتيين أننا كنا نعيش في دولة
الرعاية الاجتماعية والرفاه، حيث كان المواطن سابقاً مركز اهتمام لتوجهات وسياسات
الحكومة، لكن الحكومة فاجأتنا ببرنامج عملها الإنشائي الذي يحمل سياسات هجومية على
المكتسبات الاجتماعية ورعاية الدولة لمواطنيها وتقديم الخدمات المتطورة تعليمياً
وصحياً وإسكانياً وبرامج الدعم للسلع والخدمات في ظل إيرادات نفطية تفوق بأضعاف إيرادات
ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.



وبالضد من ذلك تنحاز الحكومة وتوجهاتها إلى القطاع الخاص
الريعي والطفيلي غير المنتج، من خلال الدعوة وتنفيذ سياسات الخصخصة رغم كل هذه
الأموال، ورغم أن شعوب العالم أجمع رفضت مثل هذه السياسات التي تُحمّل أعباؤها على
كواهل الطبقات العاملة والمهمشة والمحدودة الدخل، هذه السياسات التي رضخت لأوامر
وتوصيات صندوق النقد الدولي وأفقرت الشعوب وزادت من نسب البطالة ونسب من يعيشون
تحت خط الفقر، بينما ينعم قلة متنفذة فاسدة بأموال الشعوب حتى في البلدان ذات
الثروات الهائلة، وهذا ما سيحصل للشعب الكويتي إن نفذت الحكومة برنامج عملها
المعادي للتقدم والتنمية المستدامة.



فبدلاً من أن تفرض ضريبة تصاعدية على الشركات والدخول
الكبيرة، تضع ضمن برنامج عملها التوجه لفرض ضرائب القيمة المضافة و”تعديل
نظام الرسوم والأسعار على السلع والخدمات العامة”، وهو ما يهدد بتخفيض بنود
الإنفاق الاجتماعي وتحميل غالبية الشعب أعباء إضافية، دون المساس بمصالح أصحاب
الدخول الكبيرة بل وإعفائهم من أي التزام ضريبي مستحق.



وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة من خلال برنامج عملها
عن “الشراكة في المسؤولية لاستدامة الرفاه، وشراكة “سياسية” مع
مختلف الأطياف السياسية الوطنية” يتكرس كل يوم نهج الملاحقة السياسية وتقديم
الشخصيات ومئات الشباب من المعارضين إلى محاكمات بتهم ملفقة، وبدلاً من تطوير
الديموقراطية باتجاه تحقيق النظام الديموقراطي الكامل وتطوير النظام الانتخابي بما
يحقق أقصى قدر من العدالة، تستمر في نهج الانفراد بالسلطة والقرار، رغم أن الدستور
أكد على أن الأمة مصدر السلطات جميعاً، فكيف تتحق الشراكة السياسية في ظل هكذا نهج
وفي ظل انتقاص حقوق إنسانية لقطاع كبير من أبناء الكويتيين البدون؟



وبدلاً من أن تنتقد الحكومة أداءها السابق الذي أدى إلى
تدهور في جميع مناحي الحياة، تضع اللوم وتتهم المعارضة المطالِبة بالإصلاح السياسي
والقضاء على الفساد، بأنها تهدد الأمن وزعزعة الاستقرار السياسي الذي يعيق عملية
الإصلاح والتنمية للنهوض بالكويت، وهو ما ينفي ويتناقض مع الدعوة للشراكة السياسية
مع الأطراف السياسية الوطنية ولا يؤدي بالتالي إلى نزع فتيل الأزمة السياسية التي تمر
بها البلاد منذ سنوات.



هذا البرنامج الذي لا يتسق مع طموحات الشعب الكويتي بل مخيّب
لآماله، يعكس فشل في الإدارة السياسية وعجز حكومي عن حل المشكلات الرئيسية التي تعانيها
الأغلبية الساحقة من المواطنين، كما يحمل البرنامج في طياته إنحيازاً طبقياً
للفئات المتنفذة والفاسدة، مما ينذر بتهدور أكثر في الأوضاع السياسية والاجتماعية
المعيشية لأبناء الشعب وبالأخص الفئات محدودة الدخل، وأزمات تجر أزمات لا نهائية.