المنشور

البحرين… أين المنتهى؟ – يعقوب سيادي

المراقب من خارج المشهد، وعبر النقل، يتوه في تحديد المشكلة، خصوصاً أنه
يرى ويسمع تصاريح طرفي الأزمة البحرينية، المعبرة كما طفل يمسك بتلابيب
راشد، ويقول (هِدْ إنته أول وآنه باهد)، غير مقدر قوة خصمه، ليست العضلية
بل قوة الحق والحكمة والإرادة، ولتعذرنا حكومتنا الرشيدة، على التشبيه.

فالجانب
الحكومي بكل مكوناته الرسمية وشبه الرسمية، وكل صدى مواويلها الذي تردده
بعض القوى بتلبسها عباءة الحكومة، ترى تارةً أن الحراكات الشعبية، هي
تحديداً مخطط إيراني للاستيلاء على البحرين، وأن المعارضة الوطنية هي
وسيلتها في ذلك، وكأنها تأتمر بأوامر من إيران، على خلفية المذهب الشيعي،
في ولاية الفقيه، في كل صغيرة وكبيرة. وتارةً ترى أن أميركا متحالفةٌ مع
إيران لتحقيق ذات الهدف، وقبل التارة الأولى والثانية، من بعد خضم الجموع
الشعبية المتنوعة الخلفية السياسية والمطالب، في دوار اللؤلؤة، تردّد صدى
أن الحراك المحلي البحريني طائفي، يسعى للإنقلاب على الطائفة الأخرى،
فالويل لهذه الطائفة، ما لم تذد عن نفسها، خصوصاً أن فض تجمعات الدوار، في
فبراير 2011 أسقط شهداء وجرحى، فكانت الاستجابة بالحراك المقابل في ساحة
مسجد الفاتح، وتشكيل المليشيات، وبما أجفل المسئولين الحكوميين، للنزول
المباشر إلى تجمع تلك المليشيات، لتطمينهم بأن الطائفة الأخرى، لا تنوي
مهاجمتهم، وأن الحكومة بصدد حماية طائفتهم، المشتركين وإياها فيها، وما كان
ذلك إلا تجنباً لاحتمال أن يصل الأمر إلى الاحتراب الطائفي، المحطم لكل
الأطراف بما في ذلك الحكومة.

وتمهيداً لإجراءات حكومية قادمة، لعب،
ونقول لعب الإعلام الرسمي من التلفزيون والصحافة، باستفراده بالساحة
الإعلامية، لعب على العامة من الناس، وخصوصاً المراهقين، في العمر وفي
السياسة وفي الحقوق، وبسبب علم الحكومة بأن جميع شعب البحرين بطائفتيه،
يعيش في ضنك الحياة المادية والحقوقية والسياسية، فقد عمد إعلامها إلى
ترغيب أفراد طائفةٍ لقاء التمييز للاستعاضة عن أفراد الطائفة الأخرى، فوجد
ذلك صدى في النفوس الضعيفة، التي لا يفرق عندها أن تقتات على حرمان الغير
لقمة عيشه، مستندين على أن الحكومة هي حاميتهم بما لديها من قوة ومن رباط
الخيل، مقارنة بضيق ذات اليد لدى الطرف الآخر، فهلّلوا ورقصوا على أشلاء
الموتى، ونحيب الجنازات، وجوع الآخرين بفصلهم من أعمالهم، واعتقدوا سوءًا،
بأن رفاهيتهم وحريتهم لا ينالونها إلا من ضنك الآخرين.

فكان الانشقاق
السياسي الأول، نتيجة الإعلام، بتوجيه التهم للمعارضة، بتجهزها بالسلاح،
المخبأ في أسقف المستشفى وفي نفق الدوار الواصل إلى إيران مروراً بالمرفأ
المالي، وبالمناسبة تم اعتقال وتهديد شاهدةٍ أدلت بشهادتها النافية لذلك،
والمصحّحة لحقيقة محاولة بعض الجهات دسّ السلاح في سيارات الأطباء
والممرضين الذين شغلهم واجبهم الطبي والإنساني، للبقاء في حرم المستشفى،
إنقاذاً للأرواح، بما لم يمايز بين المواطنين، ما دعا بعض المرهوبين
الجافلين، من رؤية تجمع أهالي الشهداء والمصابين من أفراد الطائفة الأخرى،
في طوارئ السلمانية، ومن بعيد، ليعتقدوا سوءاً أن علاج أفراد طائفتهم، بات
في خطر، ولم يتورع البعض، عن تلفيق القصص.

ثم جاء الخيار الآخر، بما
فيه ما قيل عن حماية المنشآت الحيوية، ربما استحثاثاً لإيران الدخول على
الخط، استتباعاً باليقين المخدوع، أو المُرَوّج له كذباً، بأن الحراك
الشعبي البحريني، هو تلبية لأوامر إيرانية، فهلّل المهللون، بل زادوا على
جرمهم الجاهل في حق الوطن والمواطنين، برفع أعلام وصور يمنع رفعها القانون،
وجاءت اللحظة المرسومة، بضرب متظاهري الدوار للمرة الثانية في مارس 2011،
من بعد إقرار الحكومة بحق الشعب في التظاهر، والسماح للمتظاهرين بالعودة
إلى الدوار، احتساباً من ثورة شعبية عارمة… فتجدّدت عمليات استخدام القوة
المفرطة بما زاد عنها في فبراير2011.