المنشور

هنا تكمن فكرة الوطن



يصوغ كل شعب أسطورة عن نفسه وعن بلاده .  كل شعب هو بنظر نفسه شعب مجيد وكل بلاد بنظر شعبها بلاد عظيمة .  هذا صحيح في الحالتين: في آن كل الشعوب تفكر بهذه الطريقة، وفي آن كل الشعوب مجيدة وكل البلدان عظيمة، بالمقدار الذي نمجد فيه الإنسان تمجيداً مطلقاً من حيث كونه أرقى مخلوقات الله على الأرض، ومن حيث إن كل بقعة في هذه الأرض عزيزة على أهلها .


وكنت أطالع مرة كتاباً عن أساطير من أمريكا اللاتينية، وراقت لي حكاية عن المكسيك، تقول إنه كان هناك نسر كبير عاش منذ زمن بعيد، حطَّ في إحدى المناطق، نشر جناحيه فلم يسعه المكان، فقال إن شعباً صغيراً ليس جديراً به . 


انطلق النسر من جديد في الفضاء متجهاً نحو منطقة أخرى، وهناك أيضاً مد جناحيه، إلا أن المكان لم يسعهما، وهكذا فعل في مناطق أخرى تالية، قبل أن يقرر مواصلة طريقه نحو منطقة “مكسيكو” حيث كان هناك نبات من الصبار وسط بحيرة كبيرة .


مدَّ النسر جناحيه فامتدا في هذا المكان وكان بإمكانه أن يستدير بجناحيه في مختلف الاتجاهات، وعندما شاهد الناس القاطنون في هذه المنطقة النسر أصابهم الانشداد والذهول، فصاروا يتساءلون كيف وصل هذا النسر إلى هنا، إذ لم يسبق لهم أن رأوا نسراً في هذا الحجم، وقرروا بعد تداول أنه طالما كان النسر قد حطَّ هنا، فإن هذه أرض أعدت لشعب عظيم .


وأفتى بعضهم بأن يقوسوا نبات الخيزران الذي يكثر في المنطقة ليكون بمثابة أساس للمدينة حيث أستقرَّ النسر، وبادر السكان بالفعل إلى ملء المكان بالخيزران حتى غطى مستوى سطح الماء، وقاموا بعد ذلك بعمل آخر، إذ شبكوا الخيزران بعضه ببعض حتى جعلوه كقاع سلة، ثم وضعوا فوق الخيزران التراب، كثيراً من التراب، حتى أصبح بإمكانهم تشييد دورهم فوق تلك الغابة الكثيفة من الخيزران . 


وشيئاً فشيئاً توسع المكان وزرع فيه الناس كثيراً من نبات السعد، وأهالوا على ذلك مزيداً من التراب، وصار الناس الذين جاؤوا فيما بعد يقومون بما قام به من سبقهم .


لكل شعب حكايته الخاصة عن نفسه وعن بلده . . وقد تكون حكاية حقيقية، ولكن قد يذهب الخيال أقاصيه فيجترح أسطورة جميلة مثل هذه، تؤكد أن الأوطان تجمع بين الحكاية والأسطورة .  ها هنا تكمن فكرة الوطن .