المنشور

إيران العطشى إلى التغيير



قبيل الانتخابات الرئاسية في إيران وجه المرشد الأعلى علي خامنئي دعوةً إلى المترشحين بألا يبالغوا في وعودهم عن تغييرات كبرى سيقومون بها في حال فوزهم، مخافة ألا يكونوا قادرين على الوفاء بهذه الوعود بعد الفوز . بعض المراقبين قالوا إن هذه الدعوة موجهة، في الأساس، إلى مرشحي ما يوصف بالمعسكر الإصلاحي الذين عليهم ألا يتوقعوا إحداث تغييرات جوهرية في بنية النظام الذي يحتكم، في منظومته السياسية الحاكمة، إلى ثوابت لا يمكن الحياد عنها، وهي المنظومة التي يقف على رأسها ويدير خطوطها الحاسمة المرشد الأعلى نفسه .


ولأن الأمور نسبية، علينا أن نقرأ فوز المرشح الإصلاحي حسن روحاني في الانتخابات التي جرت الجمعة الفائتة، على أنه تعبير عن عطش حقيقي في المجتمع الإيراني إلى التغيير، وتمسك بأي بصيص أمل، قد يفضي  إلى فتح كوىً لمسارٍ مختلف عن النهج المحافظ الذي ضيّق الخناق على المجتمع الإيراني المعروف بانفتاحه وتفتحه .


الأغلبية التي ضمنت لروحاني الفوز في الدور الأول من الانتخابات عكست هذا المزاج، وخاصة لدى الجيل الشاب الذي ينشد التغيير، ويتطلع إلى برامج اقتصادية واجتماعية تفي بتطلعاته، في بلد يعاني نسبة عالية من البطالة ومن تضخم مرتفع ومن ضائقة معيشية، يُفاقم منها الحصار المفروض بسبب تداعيات البرنامج النووي المثير للجدل .


وفي هذا يكمن التحدي الرئيس الذي سيواجه روحاني الذي وعدَ بالتغيير، وبشر بخطاب تصالحي معتدل، قد يقتدي فيه بخطاب اثنين من الرؤساء السابقين: هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي اللذين وقفا بكل ثقلهما وراء حملته الانتخابية، ولولا دعمهما ما كان سيكسب الجولة . والرجلان، رغم التزامهما بثوابت النظام ومؤسسته الدينية الحاكمة، أفلحا ولو جزئياً، عندما كانا رئيسين، في كسر عزلة إيران الخارجية، وفي إقامة علاقات حسن جوار مع محيطها على الضفة الأخرى من الخليج .


مع ذلك علينا ملاحظة أن الرئيس الجديد يواجه تركة ثقيلة خلفها له سلفه محمود أحمدي نجاد، لم يعانِ منها لا رفسنجاني ولا خاتمي، وفي مقدمتها الحصار الاقتصادي الذي لا سبيل إلى فكه، إلا بتسوية مقبولة دولياً للبرنامج النووي، فضلاً عن ضغط ملفات إقليمية شائكة في مقدمتها الملف السوري الذي باتت إيران طرفاً أساسياً فيه .


إيران العطشى إلى التغيير اختارت، صائبةً، المرشح الأفضل المتاح، لكن يبقى السؤال ماثلاً عن قدرته في تجاوز الخطوط الحمر الكثيرة أمامه .