المنشور

مدخل لبانوراما السياسة في البحرين



في القوانين عامة
التي تحكم عملية التحول من هياكل البنى التقليدية إلى هياكل العصرنة والتحديث، فإن
البحرين لا تشكل استثناء أو حالة خاصة، حتى لو كانت هناك سمات محلية خاصة بهذا
التحول في الظروف التاريخية والعيانية الخاصة بالبلد.  فالبحرين أولاً بلد عربي – إسلامي خضع مثلما
خضعت بقية البلدان العربية للهيمنة الأجنبية الطويلة التي أطبقت اليد على مجريات
الأمور فيها، وسعت لإدخال ما تراه هي ضرورياً من إصلاحات أو تطويرات في البناء
الإداري وفي تنظيم العلاقة مع الرعايا. 


 ولم تتردد في مواجهة البنى التقليدية التي واجهت
ما أبداه الإنجليز من ميول لإدخال أنظمة وقوانين وأجهزة إدارية، على نحو ما حدث في
عشرينيات القرن الماضي، حين أدخلت ما عرف يومها بالإصلاحات الإدارية، التي كان من
نتائجها المباشرة إحكام السيطرة البريطانية على مفاصل الإدارة في البلاد التي ظلت
تدار من قبل المستشار البريطاني مباشرة، وهي سيطرة اقتضت في حالات معينة التدخل
لعزل الحكام وحتى إبعادهم.  ولم يكن ذلك
يدور في معزل عن ملابسات التركيبة السكانية القائمة على نوعٍ من التوازن أو
التقابل الطائفي بين السنة والشيعة، الذي اقتضى من الإنجليز التدخل غير مرة إما
لضبطه عند حدود السيطرة أو لتأجيج الخلافات وتوظيفها فيما بعد في خدمة إحكام
السيطرة الاستعمارية على البلاد. 


وبسبب ديناميات
الحراك السياسي – الاجتماعي في البحرين، الذي ميزها إلى حدود معينة عن البلدان
الخليجية الأخرى بحكم الانفتاح المبكر على العالم الخارجي وعلى المؤثرات الحضارية
الثقافية الوافدة من المحيط العربي أو من المحيط الإقليمي غير العربي (الهند –
فارس – أفريقيا)، فإنها كانت أبكر من جاراتها في بناء جهاز إداري حديث. 


 غير أن مسألة المشاركة السياسية ظلت موضع شد
وجذب حتى تحقيق الاستقلال الوطني في مطالع السبعينات من القرن الماضي. حين جرى
اقتداء التجربة الكويتية في تشكيل مجلس تأسيسي نصف منتخب لمناقشة مسودة أول دستور
في تاريخ البحرين وتلا ذلك الدعوة لانتخابات نيابية لتشكيل أول برلمان منتخب في
البلاد، قبل أن تتعثر هذه التجربة، ويُصار إلى حل المجلس الوطني وتعليق الحياة البرلمانية
لأكثر من ربع قرن. 


أجهض إخفاق التجربة
البرلمانية فرصة حقيقية لإحداث فرز في الحياة السياسية في البلاد لمصلحة تحديث بنى
المجتمع وتطوير الحياة السياسية فيها، ولم ينتج عن الفترة السابقة الممتدة بين حل
المجلس الوطني وبين التصويت على ميثاق العمل الوطني تجميد الممارسة السياسية
الشرعية فقط، وإنما أدى أيضاً إلى نشوء اصطفاف جديد للقوى اتفقت فيه القوى
الاجتماعية والسياسية المختلفة، بصرف النظر عن كونها تقليدية أم حداثية، في
المطالبة بإعادة العمل بالدستور واستئناف الحياة البرلمانية، لأنه كان من شأن
التجربة التي بدأت في مطالع السبعينات من القرن الماضي أن تؤدي إلى عملية دمج
تدريجي للقوى الاجتماعية المختلفة في مشروع تحديثي للمجتمع ولبُناه السياسية. 


لقد اجتاز المجتمع
البحريني تطوراً سياسياً مديداً، أفرز قوى اجتماعية وسياسية بألوان شتى.  وأدى هذا التطور إلى تشكيل بانوراما سياسية
منوعة، فيها القوى التقليدية وفيها القوى التي رفعت شعارات الحداثة وعملت من
أجلها، ومن أجل قراءة التطورات الراهنة في البلاد، يلزمنا تتبع مسار التطور
السياسي في المراحل السابقة للوقوف على الديناميات التي قادت إلى ما نحن عليه.