المنشور

أدمغة للعلم . . أدمغة للفن



لم يكن أينشتاين، الذي يعد أعظم علماء وعباقرة عصره فيزيائياً ورياضياً بدماغ محشو بالأرقام والمعادلات، بل إن سجلاته الدراسية تشير إلى أنه رسب في الرياضيات المدرسية، وكاد أن يطرد من الكلية بسبب أحلام اليقظة، وحسب أقواله هو نفسه فإنه لم يكتشف نظريته النسبية وهو جالس وراء مكتبه، إنما وهو مستلق على تلة خضراء في يوم صيفي جميل، حين كان ينظر بعينين نصف مغمضتين إلى الشمس التي تراقصت عبر رموشه متكسرة إلى آلاف الأشعة الشمسية الصغيرة .


ساعتها فكّر بالقيام برحلة عبر العالم على متن شعاع شمسي، ونتيجة لتأثره بهذه الرحلة الخيالية عاد إلى لوحه ومعادلاته منطلقاً من قناعاته بأن خياله أكثر صحة من تعليمه الرسمي، فتوصل إلى رياضيات جديدة تفسّر صدق ما أخبره به عقله .


هذه بيانات يوردها توني بوزان وهو يبحث “الاستخدام الأقصى لطاقات الدماغ العقلية” في الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه وترجمته إلى العربية الهام الخوري، مذكراً إيانا بأن الدماغ ينقسم إلى قسمين: أيمن وأيسر، وأنه إذا ما حدث تلف في الجانب الأيسر من الدماغ فإن الجانب الأيمن من الجسم قد يصاب بالشلل، والعكس صحيح، وينقل الكتاب عن العلماء أن تحفيز الجانب الأضعف من الدماغ وتشجيعه على التعاون مع الجانب الأقوى يؤدي إلى زيادة كبرى في القدرة العامة للدماغ وفاعليته، على نحو ما حدث لأينشتاين وهو يتأمل مستلقياً على التلة الخضراء، لأنه كان يستخدم جانبي عقله بدرجة استثنائية، حيث ينتج الجانب الأيمن من الدماغ الرحلة الجميلة المتخيلة، ويطور الجانب الأيسر الفيزياء والرياضيات الحديثة ليزود الصورة الجميلة التي خلقها بإطار رسمي، وهذا التوافق الخلاق زود الإنسانية بإحدى أهم النظريات على مر العصور، أي نظرية النسبية .


تبيّن دراسة حياة فنانين عظام أنهم لم يكونوا مجرد راشقي ألوان عفويين، فدراسة دفاتر ملاحظاتهم برهنت أن عقولهم رياضية وهندسية، مما يبدد التقسيم الدارج بين العقول “الفنية” والعقول “العلمية”، حين يجري الحديث عن عظماء المشاهير والعباقرة، لأن أدمغة هؤلاء كانت تجمع الفن والعلم معاً .


ينطبق هذا على سيزين وبيكاسو، وينطبق خاصة على ليوناردو ديفنشي الذي يعدّ صاحب أعظم العقول على مدى العصور، حيث عرف بجمعه بين التفوق في الملكات الرياضية والمنطقية والتحليلية، والتفوق في التخيل واستخدام اللون والشكل .