المنشور

حرية الصحافة مطلب أساسي للمجتمعات الحرة

يحتفل العالم في الثالث من مايو/ أيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، إذ يخدم هذا اليوم كمناسبة لتعريف الجماهير في مختلف بلدان العالم بانتهاكات حق الحرية في التعبير، وكذلك كمناسبة لتذكيرهم بالعديد من الصحافيين الشجعان الذين آثروا الموت أو السجن أو التعذيب أو التشهير أو الملاحقات القضائية في سبيل تزويدهم بالأخبار اليومية.

والحدث اليومي هو الخبر الذي يصنعه الصحافي من أجل تزويد الرأي العام بكل ما يجري في الساحة اليومية، وهو الخبر الذي يثير جدلاً في المجتمع إما بالإيجاب أو بالسلب. أما الأخبار التي لا تخرج من إطار العلاقات العامة فهي فقط تدور في إطار العلاقات العامة مثلها مثل الإعلام الموجّه الذي يسوق للأنظمة السياسية التي لا تعترف على الإطلاق بحرية الصحافة ولا بالتعددية في الرأي.

من هنا لابد من الإشارة إلى أن الدعوات التي تطلقها حكومات المنطقة العربية لسن تشريعات وقوانين من أجل تكميم الأفواه من خلال المزيد من فرض السيطرة على أدوات الإعلام الجديد على غرار ما قامت به في مراحل سابقة مع الإعلام التقليدي، إضافةً إلى العمل على مضايقة الصحافيين، جميعها تؤكد أن مبدأ حرية الصحافة كفعل وتطبيق على أرض الواقع هو أمر مستبعد ولكن قائم للاستهلاك الإعلامي فقط.

إن تبني السياسات الممنهجة التي تسعى إلى قمع الحريات العامة وانتهاك صور مختلفة لحقوق الإنسان داخل المجتمعات العربية، يبرهن في أكثر من مرة، خصوصاً من بعد مرحلة الربيع العربي، أن الأنظمة المعمول بها في الدول التي نجحت فيها الثورات أو تلك التي مازالت تعيش احتجاجات يومية، أنها مازالت تسير في خط لا يخلو من انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تدعو بشكل واضح وصريح إلى حرية الصحافة والرأي، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ولكن ما يحدث اليوم على أرض الواقع العربي ليس بعيداً من ممارسات الرقابة البوليسية والتهديد عبر التصريحات الرسمية أو مواد قانون لا تعترف أساساً بحرية الصحافي ولا حتى بحق تدفق المعلومة للجمهور.

ولهذا فإن حال الحريات الصحافية في المنطقة العربية يعكس مشكلة أساسية، وهي استمرار سياسة ثقافة الرأي الأوحد، وفي ذلك استخفاف واضح بحرية الصحافة والرأي من خلال المضمون وليس من خلال الإطار الخارجي. فلا يمكن أن يتم تغير ووضع رتوش ما يجب في هذا المجال وتجاهل المضمون الذي يجب أن يساهم في نشر ثقافة الإعلام التعددي المعني بحرية الرأي من مختلف التوجهات في صحف وتلفاز وإذاعة.

غير أن استمرار سياسة المنع والتهديد والملاحقات القضائية يدفع بالصحافي إلى اللجوء إلى أدوات الإعلام الجديد للتعبير أو نقل الخبر إن تم إقصاؤه تماماَ مثل من ليس له صوت فيصبح أمامه فقط خيار الميادين والشوارع ليعبّر ويصرخ بما في خلجات نفسه. وهذا ما حدث ويحدث تماماً في أكثر من شارع عربي من الخليج إلى المحيط.

إن حرية الصحافة تعد مطلباً أساسياً للمجتمعات الحرة ولا يمكن أن يخرج أي نظام سياسي يبحث عن التطوير في مجالات اقتصادية ويغض الطرف عن التعددية والحرية في مجال الصحافة، فذلك يعد أمراً ناقصاً لأن عجلة التطور لا يمكن أن تكتمل من دون السلطة الرابعة، وبشكل واضح وأساسي يسمح بالفضاء المفتوح من دون محاذير وليس بمرور مقص رقيب يقضي على كل فكرة ويحوّل الصحافي إلى بوق يكرّر عبارات وأفكار جماعة النظام السياسي من أجل إرهاب وتدمير المجتمع.

لقد تراجعت الحريات الصحافية في البحرين بشهادة التقارير الدولية ومنها تقرير «فريدوم هاوس» لتقبع في ذيل قائمة الدول العشر الأكثر محاربة لحرية الرأي والتعبير وتمنع الصحافة الحزبية حتى انحدرت إلى المرتبة 188 على المستوى العالمي – بحسب التقرير – ما يعكس تدهوراً حقيقياً للحريات الصحافية والإعلامية على مدار العامين الأخيرين شملت التعذيب والفصل من العمل والسجن والملاحقات القضائية واستمرار سياسة التضييق على الصحافيين المحليين ومنع الصحافة الدولية المستقلة.

والقائمة تطول والمغالطات في مجال الحريات الصحافية كثيرة وهي ليست وليدة اليوم، ولكنها امتداد لاستمرار سياسات خاطئة. ولهذا لا يمكن الانفتاح من دون الشروع في إطلاق فوري للتعددية في مجال الصحافة والإعلام، وذلك من خلال فتح فضاء الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بالعمل من دون مضايقات للصحافيين ولمن لا يملك صوتاً عبر ما هو موجودٌ حالياً في الساحة. فالتعددية في الرأي وفي الخبر مطلب أساسي للشعوب لخلق فضاء حقيقي لحرية الصحافة بدلاً من التكميم أو التعتيم.