المنشور

والصحافيون لم يعودوا إلى أعمالهم


مرَّ أكثر من عامين، والصحافيون البحرينيون المفصولون جرَاء أحداث الرابع عشر من فبراير لم يعودوا إلى أعمالهم، ولم يحصل كثير منهم على وظائف أخرى. وعلى الرغم من أن الإعلاميين من الموظفين الرسميين المفصولين من هيئة شئون الإعلام عادوا إلى أعمالهم بعد فصلهم، إلا أن الصحف مازالت تتبرأ من «عملتها»، وكأن شيئاً لم يحدث، ذلك لأن القضية لم تتخذ طابعاً عاماً، ولم تجد من يدافع عنها من المؤسسات الرسمية والأهلية إلا بعض الجهود الفردية التي يقوم بها بعض الصحافيين، وما تقوم به مجموعة «بحرين 19» التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن القضية في خطوات عملية جادة.
 
مجموعة «بحرين 19» أرسلت العديد من الرسائل إلى «جمعية الصحافيين» بناءً على تصريحات الأخيرة في وسائل الإعلام بخصوص عدم وجود صحافيين مفصولين عن العمل، وأرسلت لها قوائم بأسماء وهواتف المفصولين والمجبرين على الاستقالة وأرقامهم الشخصية؛ رغبةً في إغلاق ملف القضية بعد أن يعود جميع المفصولين إلى أعمالهم، ولكن لم نجد أي تحرك من الجمعية غير الاتصال بالقائمة للتأكد من الوضع الحالي للمفصولين.
 
مرّ اليوم العالمي لحرية الصحافة يوم أمس (الجمعة) ليكون ثالث احتفال بهذا اليوم خلال عامين، والمفصولون من الصحافيين ما زالوا في وضعهم السابق، بل بات الأمر أكثر سوءاً بالنسبة لكثير منهم باعتبارهم معيلين لأسر تتعدى في بعض الأحيان الأسرة الصغيرة لتصل إلى الأبوين أيضاً. وكغيرهم من المفصولين تراكمت عليهم الديون وخسروا عامين من التأمين الاجتماعي والكثير من لحظات الفرح حين يدخلون بيوتهم وفي أيديهم مفاجآت لأهلهم بعد كل راتب.
 
مشكلة الصحافي في الفصل لا تتوقف عند العقبات المادية التي قد تتفاقم مع مرور الوقت، بل تتعداها إلى مشكلة نسيان الاسم الصحافي الذي غالباً ما يكون المرء قد بذل جهداً كبيراً لإيصاله للناس، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بمحرّري الشئون المحلية والتحقيقات، ممن يسهمون بشكل ما في حل مشكلات الناس من أبناء الوطن عن طريق منحهم الفرصة في التحدث عن همومهم لصحافي قادرٍ على إيصال معاناتهم للمسئولين، إضافةً إلى مشكلة فقدان المرونة في الكتابة، وجفاف الحبر أحياناً؛ فهي مهنةٌ كغيرها من المهن، تعتمد على المران والممارسة، وكلما طالت مدة الانقطاع عنها، كلما شعر الصحافي بصعوبة في العودة إليها، ناهيك عن صعوبة التواصل مع المصادر التي تزوّده بالمعلومات والأخبار بعد انقطاعه عن عمله.
 
في كل عام ومع مرور اليوم العالمي لحرية الصحافة، ننتظر إنهاء هذا الملف من غير جدوى، وفي كل مرة يجتمع كبار المسئولون في الحكم برؤساء التحرير أو المسئولين في الصحف المحلية، ننتظر أمراً بإعادة المفصولين ومن أُجبِروا على تقديم استقالاتهم ليحصلوا على حقوقهم كاملة، ولكن من غير جدوى. وفي كلّ مرةٍ يصل أحدنا اتصالٌ من جهة ما تحاول حل القضية، ننتظر بعين المتفائل إنهاء الملف ولكن من غير جدوى، حتى صرنا على ثقةٍ أن هذا الملف لن يُحلّ وكأن العودة إلى العمل مجرد ترف وليس حقاً.
 
السؤال الملح في الأمر هو: ما هو الجرم الذي قام به الاعلاميون كي يُفصلوا من أعمالهم؟ وهل المطالبة بإعلامٍ حرٍّ مستقل حيادي، يعد جرماً يعاقب المطالب به بالفصل من عمله، إن قلنا إن بعضهم طالب بهذا المطلب في مسيرة سلمية؟


سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية – 04 مايو 2013