المنشور

مارغريت تاتشر


المصادفة وحدها هي التي جعلتني أتحدث، منذ نحو أسبوع، عن مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق، التي رحلت عن الدنيا منذ يومين . حدث هذا في لقاء أقامته جماعة “مجاز للثقافة” في البحرين لمناقشة كتاب: السيطرة الصامتة” لمؤلفته نورينا هيرتس، والصادر ضمن سلسلة “عالم المعرفة” في دولة الكويت .

تعالج المؤلفة بمنظور نقدي هيمنة الشركات الكبرى على الاقتصاد العالمي، وإزاحة الدولة عن القيام بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه مواطنيها، وتذهب، كما يذهب الدارسون في الاقتصاد السياسي عامة، إلى أن تزامن انتخاب تاتشر رئيسة لوزراء بريطانيا عام ،1979 ورونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، قد أسس لمنهج في إدارة الاقتصاد وصف بالريغانية- التاتشرية، مثل انقلاباً على النهج الذي سارت عليه دولة الرعاية في أوروبا الغربية، بعد الحرب العالمية الثانية .

تاتشر، ومعها ريغان، رفضا أن يكون للدولة دور في إعادة توزيع الثروة، واعتبرت معايير الفقر النسبية لا مكان لها . . وفي معرض ردها، على المعارضة في مجلس العموم، قالت: “نحن لانسيء للفقراء عندما نعمل على رفع رواتب المسؤولين الكبار” .

وحين أضرب عمال المناجم عن الطعام احتجاجاً مطالبين برفع رواتبهم، وعلت المناشدات بإنقاذ أرواحهم، قالت قولتها التي لا تنسى: “دعهم يموتوا”!، فيما قال وزير التوظيف في حكومتها غامزاً من قناة المضربين: “إن والدي لم يشاغب، بل ركب دراجته ليبحث عن عمل” . حينها اتخذت عبارة: “اركب دراجتك”، شعاراً للفلسفة التاتشرية في إدارة الاقتصاد وقمع النفس الاحتجاجي للحركة العمالية والنقابية في بريطانيا ذات التقاليد العريقة، وهو أمر فعله، فيما بعد، ريغان ضد الحركة النقابية في الولايات المتحدة .

اقتصاد السوق منفلت الضوابط الذي قادته تاتشر وريغان سيغدو النموذج الأنجلو – سكسوني الجديد الذي سرعان ما انتشر في العالم، وستصبح الخصخصة كلمة السر الجديدة التي سيجري تداولها على نطاق واسع في البلدان النامية ضعيفة التطور، حيث جرى تفكيك قطاع الدولة وتخريبه، ومحله نشأت مافيات فتية لاعهد لها بتقاليد البرجوازية العريقة وخبرتها .

وستتكفل وسائل الاتصال الحديثة ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بإلغاء الدعم الحكومي للسلع بدورهما في تعميم هذا النموذج الذي لم يجلب سوى الكوارث على الشعوب، خاصة منها الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل التي ازدادت عوزاً أمام ازدياد ثراء الموسرين .

لا بأس من التذكير بذلك وسط كرنفال الاحتفاء ب”منجزات” تاتشر المستمر .