المنشور

لماذا لا تحضر الوزارة؟


حسناً أن إثنين من أعضاء البرلمان حضرا الحلقة النقاشية التي دعت إليها «المجموعة البيضاء» التي تتحلق حولها مؤسسات المجتمع المدني الرافضة لمشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديدة، على نحو ماشرحنا هنا غير مرة، ووعد هذان النائبان بالاهتمام بالملاحظات والانتقادات الموجهة من الجمعيات الأهلية تجاه مشروع القانون المذكور، عند نظره في اللجنة المختصة، ولكن هناك من طرح سؤالاً وجيهاً في الاجتماع فحواه التالي: لماذا لا يحضر ممثلون عن وزارة التنمية مثل هذه الحلقة ليصغوا إلى ما تقوله الجمعيات بخصوص هذا الموضوع، ويردوا على التساؤلات العديدة التي تشغل ذهن المجتمعين حول دوافع تضمين مشروع القانون هذا العدد الهائل من القيود التي تعيق نشاط المجتمع المدني وتسطو على استقلاليته، للدرجة التي حملت الرئيسة السابقة للاتحاد النسائي البحريني السيدة مريم الرويعي على القول بأن هذا المشروع لا يحتمل ترميمه أو تعديله، وإنما نسفه بالكامل، كونه أسوأ بكثير من القانون الحالي.


سبق أن أشرنا على أنه من الأمور التي تحسب لمؤسسات لمجتمع المدني في البحرين انها نبعت من قلب الحراك المجتمعي المستقل عن الدولة، فتوفرت على أهم شرط من شروط المجتمع المدني وهو الاستقلالية، وفي المحافل العربية والدولية ذات الصلة كان ينظر للجمعيات والاتحادات البحرينية الأهلية بهذه الصورة، سواء تعلق الأمر بالحركة النقابية العمالية، أو بالجمعيات المهنية، كجمعيات المحامين والأطباء والمهندسين، وكذلك بالمؤسسات الممثلة للمبدعين والفنانين.

المجتمع كان أسبق من الدولة في تنظيم نفسه في هيئات معبرة عنه، ومجسدة لمصالح وتطلعات قطاعاته المختلفة، ويعود الفضل في ذلك للشرائح الحديثة من الكفاءات المهنية والثقافية التي تلقت خبراتها الأولى في العمل النقابي في صفوف الحركة الوطنية والتقدمية البحرينية، واستطاعت أن تبني هذه المؤسسات المستقلة للمجتمع المدني بجهود أجيال من النساء والرجال ضحوا بوقتهم وبراحتهم وباهتمامهم بعائلاتهم في سبيل ذلك، مُستوحين في ذلك تراث الحركة الوطنية المفعم بقيم العمل في سبيل الحريات العامة، والمعبر عن كافة فئات المجتمع، والمتجاوز لآثام التخندق الطائفي البغيض.

ليس الفهم الضيق والخاطئ لبعض أجهزة الدولة لدور مؤسسات المجتمع المدني أمرا جديداً، وسادت العلاقة بين الطرفين حالات مختلفة من التوتر والشد في مراحل مختلفة، ولا يبدو مشروع قانون الجمعيات الجديد بالمثالب الكثيرة التي ينطوي عليها مقطوع الصلة عن ذلك، لكن الأمر يبلغ اليوم مستوى جديداً، أدى وسيؤدي أكثر، في حال استمراره، لمصادرة الفضاء الأهلي في البلاد، وحرمان المجتمع البحريني من أحد أهم أوجه الحيوية والتميز فيه، وشل طاقات أبناءه وبناته المتحمسين للعمل الأهلي التطوعي، ومنع الموهوبين والفاعلين من أفراد المجتمع من أن يكون لهم حيزهم المستقل الذي من خلال عطاءهم فيه يسهمون في بناء مستقبل هذا الوطن، ويعكسون مقدار ما فيه من تنوع وتعددية في الاهتمامات والميول.

ويشكل ذلك سمات أي مجتمع ديناميكي، توفرت عليها البحرين منذ مطالع القرن العشري حين تشكلت الأندية الأدبية والملتقيات الثقافية والاجتماعية، مما ميَّز البحرين والبحرينيين في محيطهم الخليجي، ووضعت اسم بلادنا على الخريطة العربية وربما على ما هو أبعد منها، مما يتطلب مراجعة جدية من الدولة للفصل الجديد من العلاقة غير الصحية بينها وبين المجتمع المدني، وهو أمر نحن في غنى عنه لو اتسعت بصيرة القائمين على الأمور.