المنشور

الوطنية هي الحل



في
عام 2009 أصدر الدكتور أنور عبدالملك كتابه “الوطنية هي الحل”، والكتاب
الضخم الذي يقع في أكثر من ستمئة صفحة، وهو في الأصل مجموعة مقالات مُطولة
نشرها عبدالملك في الصحافة المصرية، وأعاد تحريرها، توخياً لمحورتها حول
الفكرة التي حملها عنوان الكتاب، لكن يلفت نظر من يعود لهذا الكتاب بعض
العناوين التي اختارها لفصوله، في معالجته لأبعاد الأزمة التي تعاني منها
مصر، والتي أفصحت عن نفسها في الانفجار الذي لم يكن بالوسع تفاديه، فكان ما
كان في ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 .


بل
أنه في الباب الأول الذي خصصهُ للبحث في أصول مصر، يطرح في أحد العناوين
الفرعية: “لماذا التوهان”، تعبيراً عن حيرة مصر لحظة وضع الكتاب حول
مستقبلها القريب والبعيد، وهو السؤال الذي لم يكن أنور عبدالملك وحده من
انشغل به، فمثله فعل مفكرون ومثقفون وساسة مصريون كُثر .


يتحدث
المؤلف عما وصفه ب: “تغييب مصر”، وهو في أحد مواضع الكتاب يذهب نحو وجهة
غير مطروقة كثيراً في تفسير أسباب وهدة مصر وتخليها عن دورها، تجاه نفسها
أولاً، كبلد عظيم، وتجاه محيطها كدولة تملك كل أسباب التأهل لأن تكون قوة
محورية، وهذا ما فعلته بالفعل في تاريخها البعيد والقريب أيضاً .


تعطيل
دور مصر ابتدأ بالاقتصاد: وقف الإنتاج المصري، عدا الصناعات الخفيفة،
تمهيداً لتفكيك القطاع العام واستبدال الإنتاج بالاستيراد، أي نقل السلطة
المجتمعية من رأسمالية الدولة إلى رأسمالية رجال الأعمال السمسارية، وبذا
انتقلت مصر من الاقتصاد الوطني، قاعدة السيادة، لتجد نفسها، فجأة، في مصاف
الدول المعتمدة على المساعدات والمنح الأجنبية السنة تلو السنة، حيث ارتفع
الدين العام الى أرقام خرافية، وتصاعدت أبراج السماسرة الجدد وازدادت
معاناة الفقراء والطبقة الوسطى .


مصر
التي انتظرت الخلاص من هذا وناضلت في سبيله، تجني اليوم الثمار المُرة
للتجليات السياسية لذلك النهج الذي خرّب مصر وأفقدها دورها، وجعلها فريسة
سهلة للطارئين على مجدها وتراثها العظيم . 


“إن
إله مصر لقويٌ، تقول الحكاية الفرعونية القديمة على لسان ابن آمون، وهو من
القوة بحيث لا يسمح للبرابرة بالاقتراب من طريقه، لكني الآن وسط أعداد لا
تحصى منهم، وأنا الآن بمفردي ولا أحد معي” . وبرابرة اليوم الذين يستهدفون
مصر ليسوا من خارجها فقط، إنما من داخلها . لكن مصر الوطنية تظل أقوى .