المنشور

دعماً لتحرك “المجموعة البيضاء”



تقدمت مؤسسات المجتمع المدني في البحرين التي تتحرك في إطار مشترك أطلقت
عليه إسم “المجموعة البيضاء” بتعديلات على نحو أربعين مادة في مشروع
قانون المنظمات والمؤسسات الأهلية (قانون الجمعيات) المحال من الحكومة للمؤسسة التشريعية،
كما أنها اقترحت استحداث عدد من المواد الأخرى على القانون، ومن يطلع على
التعديلات المقترحة أو اقتراحات الإضافة ويقارنها بمشروع القانون المقدم من
الحكومة، سيدرك فداحة القيود التي تريد الدولة أن تضعها على نشاط هذه المؤسسات،
ومصادرة الإرادة الحرة لأعضائها، ويبدو صحيحاً القول أن هذا المشروع يعد الأسوأ من
نوعه في تاريخ تقنين نشاط المجتمع المدني البحريني، الذي إنبثق من قلب التحولات
الاجتماعية والسياسية والثقافية في البلاد، كما يليق بأي مجتمع مدني حقيقي أن يكون
ولم يكن صنيعة الدولة، وهو أمر كان موضع فخر وتقدير للبحرين ونخبها الناشطة في
حقول العمل التطوعي الاجتماعي والثقافي منذ عقود. 
  
من سمات
الشمولية العربية هيمنة الحكومات على مؤسسات المجتمع المدني، والتي فقدت بحكم هذه
الهيمنة صفتها التمثيلية للقطاعات التي تنطق باسمها، فكانت النقابات والاتحادات
النسائية والشبابية والطلابية أو سواها تدار مباشرة من الحزب الحاكم في هذا البلد
العربي أو ذاك، أو خاضعة للبيرواقراطية الحكومية التي تتحكم في سياسات هذه
المؤسسات وتخضعها لها كلية، فلا تعود سوى صدى للخطاب الحكومي. 


لكن يُحسب لمؤسسات المجتمع المدني في البحرين انها نبعت من قلب الحراك المجتمعي
المستقل عن الدولة، وليس القصد هنا أنها نشأت لمغالبة الدولة، وإنما لتتوفر على
أهم شرط من شروط المجتمع المدني وهو الاستقلالية، وفي المحافل العربية والدولية
ذات الصلة كان ينظر للجمعيات والاتحادات البحرينية الأهلية بهذه الصورة، سواء تعلق
الأمر بالحركة النقابية العمالية، أو بالجمعيات المهنية، كجمعيات المحامين
والأطباء والمهندسين، وكذلك بالمؤسسات الممثلة للمبدعين والفنانين. 


المجتمع كان أسبق من الدولة في تنظيم نفسه في هيئات معبرة عنه، ومجسدة لمصالح
وتطلعات قطاعاته المختلفة، ويعود الفضل في ذلك للشرائح الحديثة من الكفاءات
المهنية والثقافية التي تلقت خبراتها الأولى في العمل النقابي في صفوف الحركة
الوطنية والتقدمية البحرينية، واستطاعت أن تضع مداميك المجتمع المدني البحريني
الحديث، مُستوحية في ذلك تراث الحركة الوطنية المناهض للطائفية والمعبر عن كافة
فئات المجتمع، والمتجاوزة لآثام التخندق الطائفي البغيض. 
  
صحيح ان
هذه التجربة لم تخلُ من أخطاء لا سبيل لنكرانها في بعض الحالات، مثل غُلبة السياسي
على المهني، أو انتقال عدوى المنافسات الحزبية الى بعض هذه المؤسسات، ولكنها أخطاء
من النوع الذي يمكن التغلب عليه مع تعمق التجربة ونضجها، ولا يصح وضعها في سياق
يعطيها أكبر من حجمها، لو قارنا الأمر بما بات يتهدد استقلالية مؤسسات المجتمع
المدني في الفترة الأخيرة، وسبق أن تحدثنا هنا عن أثر ما اعترى المجتمع من انقسام
طائفي عميق وبغيض، محزن ومقلق ومخيف، على وحدة ودور هذه المؤسسات، لكن الأخطر من
هذا هو الفهم الضيق لدى أجهزة الدولة لدور مؤسسات المجتمع المدني، وهوأدى وسيؤدي
أكثر في حال استمراره، إلى مصادرة الفضاء الأهلي، وهذا ما تدل عليه النوايا وراء مشروع
القانون الذي تتحرك ضده الآن مؤسسات المجتمع المدني تحت راية “المجموعة  البيضاء” التي يجب دعم جهودها ومؤازرة
مسعاها لصون استقلالية مؤسسات مجتمعنا المدني.