المنشور

اليسار البحريني والحراك الشعبي… بين انتفاضتين

من يقرأ التاريخ البحريني جيداً، يدرك أن القوى اليسارية والقومية كانت
تشكّل العصب الأساسي للانتفاضات الشعبية والنضال الوطني في البحرين سواءً
أيام الاستعمار البريطاني أو بعد ذلك.

ولم يتراجع هذا الدور إلا بعد
المد الثوري الإسلامي نتيجة نجاح الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979،
ولكن حتى بعد ذلك لم تغب القوى اليسارية عن الشارع تماماً، فقد شاركت
بقوةٍ في بداية أحداث التسعينيات عبر العريضة الشعبية والعريضة النخبوية
اللتين مثلتا مطالب الشعب البحريني في المزيد من الحرية والديمقراطية
وإنهاء حالة القمع وإرهاب الدولة بتسليط سيف «قانون أمن الدولة» سيئ الصيت،
والذي يتيح لقوات الأمن اعتقال وسجن أي شخص لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة،
حيث حظيت العريضة الشعبية بتوقيع أكثر من 23 ألف مواطن، في حين تم توقيع
العريضة النخبوية من قبل الشخصيات السياسية الفاعلة في المجتمع آنذاك، ومن
بينها العديد من الشخصيات اليسارية والوطنية والدينية. كما كان من بين
الموقّعين على هذه العريضة رئيس تجمع الوحدة الوطنية حالياً عبداللطيف
المحمود والذي سحب توقيعه لاحقاً بعد اعتقاله لمدة أسبوعين.

لقد عانى
اليساريون مثل غيرهم من القوى السياسية المعارضة، من هذا القانون الذي
فُرض على الشعب البحريني بعد حلّ المجلس الوطني في العام 1975، ولذلك اضطرت
قياداتهم للهجرة واللجوء السياسي خارج البحرين. كما تم اعتقال العديد من
كوادرهم وتعذيبهم في داخل السجون، ما أدى إلى استشهاد عددٍ منهم كسعيد
العويناتي، ومحمد غلوم، والدكتور هاشم العلوي، ومحمد بونفور، أحد قياديي
الانتفاضة الشعبية التي حدثت في مارس/ اذار من العام 1965، وعمّت جميع
أرجاء البحرين أجواء تشبه كثيراً ما حدث في فبراير/ شباط 2011.

فكما
اندلعت انتفاضة العام 1965 بشكل عفوي، بعد أن أقدمت شركة نفط البحرين
«بابكو» على طرد ما يقرب من 500 عامل بحريني من عملهم في الشركة، وأرادت
طرد 1000 عامل آخر، ما أدى إلى تضامن جميع العمال والطلبة في البحرين مع
المفصولين، كذلك اندلعت انتفاضة 2011 بشكل عفوي عندما اعتصمت الجماهير في
دوار اللؤلؤة للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية والمعيشية.

وكما
قمعت القوات البريطانية انتفاضة 65 حيث سقط خمسة شهداء وعشرات الجرحى
أثناء فض التظاهرات من قبل قوات الأمن التي كانت بقيادة الضباط الانجليز،
كذلك تم قمع انتفاضة 2011.

ومع ذلك، فإن هناك اختلافاً جوهرياً بين
الحركتين، وهو مشاركة جميع أبناء الشعب البحريني بمختلف طوائفهم
وانتماءاتهم السياسية وشرائحهم الاجتماعية في الانتفاضة الأولى، في حين
فضّل البعضُ أن يقف بشكلٍ معادٍ لتطلعات أبناء وطنه في الانتفاضة الثانية،
ولكن التيار الديمقراطي والجمعيات السياسية اليسارية والعلمانية يحق لها أن
تفخر بوقوفها إلى جانب الجماهير المطالبة بالإصلاح في كلا الانتفاضتين.

وكما
كتبنا بفخرٍ عن موقف آبائنا في الستينيات من القرن الماضي، سيكتب أبناؤنا
التاريخ الذي نعيشه اليوم، ولكن بكثيرٍ من الأسف على من رقص على جراح أبناء
شعبه.