المنشور

درس مارس الذي لا يٌنسى



في كل عام، في مثل هذا الوقت، نقف أمام ذكرى انتفاضة مارس 1965، لاعادة
بسط الأفكار حول الأهمية الكبرى التي ترتديها هذه الانتفاضة في التاريخ النضالي لشعبنا،
من حيث كونها حملت في مضمونها وتوجهاتها البُعدين الوطني والاجتماعي.  فهي من جهة انتفاضة وجهت ضد الحماية البريطانية
على وطننا، ومصادرة الإرادة الوطنية المستقلة لشعبنا، وإحكام قبضة المستعمر
البريطاني على مقدرات البلاد، وهي من الجهة الأخرى حملت بُعدا اجتماعيا – طبقيا
كونها عبرت عن احتجاج الطبقة العاملة البحرينية، خاصة في شركة النفط، ومجمل
الجماهير الكادحة على أوجه الاستغلال الذي كانت الشركات الاحتكارية تمارسه ضدها. 


في أحد جوانبها الرئيسية بدت انتفاضة مارس تجسيداً للمنجز الرئيسي الذي
استطاعت حركة هيئة الاتحاد الوطني إحرازه، وهو وأد الفتنة الطائفية التي أطلت
برأسها في الخمسينات، وتوحيد جهود الشعب تحت قيادة رموزه الوطنية من قادة الهيئة، سنة
وشيعة، في النضال من أجل الديمقراطية والإصلاحات السياسية وإطلاق حرية العمل النقابي.
كانت انتفاضة مارس ٥٦٩١ انتفاضة للشعب كله من مختلف المناطق، بدءا من المحرق مرورا
بالعاصمة المنامة وجزيرة ستره وانتهاء ببقية قرى البحرين. والشهداء الذين قدمهم
الشعب في تلك الانتفاضة قربانا لقضية الحرية والديمقراطية يتحدرون من مختلف تكوينات
الشعب، ولم يقتصروا على طائفة بعينها. 


وإذا كانت هيئة الاتحاد الوطني قد قِيدت من قبل الشخصيات الوطنية التي
تميزت بدرجة عالية من المهابة والكاريزما السياسية والمقدرة على التأثير في الجماهير
وتحشيدها في النضال الوطني، فان “نجاح” سلطات الحماية البريطانية في تصفية
الحركة باعتقال، ومن ثم نفي وسجن قادتها، أدى إلى نشوء فراغ سياسي في البلد، كان يمكن
له أن يطول لولا أن التنظيمات الوطنية السرية التي تشكلت في منتصف الخمسينات مثل
جبهة التحرير الوطني والتنظيمات القومية، وبعضها تشكل في قلب حركة الهيئة، قد نهضت
بعبء قيادة الانتفاضة، وتحويلها من حركة عفوية في بداية اندلاعها إلى حركة منظمة، تجلت
فيها كل مظاهر الانتفاضة في شروطها المعروفة، وكانت لافتةً المشاركة الواسعة
والمشرفة للمرأة البحرينية في تلك الانتفاضة، حيث كان للنساء دور مشهود في فعالياتها
المختلفة، وهو الأمر الذي اظهر ومنذ وقت مبكر استعداد نساء بلادنا وحماسهن لأن يكن
دوما في قلب الكفاح لا من اجل حقوقهن كنساء فحسب، وانما من أجل مجمل أهداف النضال
الوطني الديمقراطي. 


إن الآثار العميقة لهذه الانتفاضة
ستمتد لاحقاً وستظهر في بنية وأداء الحركة الوطنية البحرينية وفي خبراتها النضالية
والتنظيمية وفي تعزيز خطابها السياسي والفكري وازديادها نضجاً. وانعكست روح
انتفاضة مارس ودروسها في مجمل المسيرة الوطنية اللاحقة لشعب البحرين، وهي الروح
التي خبت اليوم، وما أحوجنا اليها في ظروف الانقسام والتشرذم الطائفي المقيت
والمستشري، في أن يعود لروح هذه الانتفاضة ودرسها الأكبر، في أن الأهداف الوطنية
والديمقراطية والإصلاحية، لاتتحقق إلا بوحدة مكونات الشعب.