المنشور

بعد سنتين مع “ربيع” يراوح.. وحدة اليسار لاستعادة المبادرة إلى الديمقراطية



كتب: الياس شاكر 


تواجه قوى اليسار في البلدان العربية, مع بداية السنة
الثالثة لاندلاع الانتفاضات الثورية في ما يسمى ب”الربيع العربي”, مهمة رسم
خط سياسي عام و موحد, يتميز بالوضوح في المواجهة المزدوجة: الطبقية و
التحررية. 


إن تفاوت  تطور الحركة الثورية بين البلدان العربية لم
يغيب الخصائص المشتركة التي تميز المواجهة التي تخوضها القوى الديمقراطية
الثورية في العالم العربي عامة. و هذا العام المشترك بين الفصائل الثورية
العربية هو ما يحدد صحة الخط السياسي الثوري في هذا البلد العربي أو ذاك. و
استناداً إليه يمكن انتزاع المبادرة في الصراع الفكري (خاصة في المجال
الإعلامي), من القوى اليمينية و الرجعية الممثلة للطغمة لمالية المسيطرة.
ذلك أن وضوح المشترك العام هو الضمانة لتناول الخصوصية (في كل بلد)
بموضوعية تجعلها سلاحاً في يد القوى الثورية بدل ن تستخدم في التضليل
الطبقي الذي يتناولها كطروحات غائمة يسوقها إعلام طاغ تغذيه أنظمة النفط و
الغاز المالية و تجند له “المثقفين” المستتبعين, سواء بالحاجة الى لقمة
العيش ام بوهم الارتقاء في مراتب الطبقة المسيطرة. 


إن تجربة الحركة الثورية خلال هاتين السنتين
المنصرمتين,من ما سمى ب”الربيع العربي” العبق بثورة الزهور, قد اكسبت الوعي
الجماهيري مناعة في وجه طغيان الإعلام التضليلي, و بينت في الوقت نفسه أن
القوى السياسية الديمقراطية الثورية مسؤولة  عن بلورة الخط السياسي الذي
يخرج الحراك الثوري من عفويته, ويكسب في الوقت نفسه ثقة الجماهير, التي
تزداد خبرة ووعياً سياسيين , و يسلح طلائعها من الشباب عامة, ومن الفئات
الاجتماعية المستغلة و المستثمرة و المهمشة خاصة, بوضوح الرؤية المستندة
إلى التحليل العلمي للواقع الموضوعي. مثل هذا الخط السياسي للحراك
الديمقراطي العربي العام يتمتع بالضرورة بخاصتين: 
  1. يمكن أن يندرج فيه الخط السياسي للقوى الديمقراطية في كل بلد عربي
    بخصوصيته, لأنه يعطي هذا الخط السياسي الخاص مصداقيته في نظر الجمهور.
  2.  يندرج بدوره في تحليل موضوعي يبرز الميل العام  لموازين القوى الطبقية
    على الصعيد العالمي في المجالات السياسية و الاقتصادية و الأيديولوجية.






بتمتع الحراك الثوري بهاتين الخاصتين يمكن ردم الهوة التي
كثيراً ما يقال, في المعسكرين التقدمي و الرجعي على السواء, أنها جعلت
الثورة العربية تنطلق دون القيادة التي تخلفت عنها تاركة الجماهير تنساق
لعفويتها. 


مثل هذا التشخيص من الجانب الرجعي سرعان مت تبيَن أنه
يخدم الثورة المضادة ومحاولتها الالتفاف على الحراك الجماهيري و مصادرته,
لصالح تقديم قوى “جديدة” أو “متجددة” تملأ “الفراغ” بقوى “إسلامية” منظمة
تصادر الثقافة الشعبية الإسلامية لتمرير خط سياسي إسلامي يتبع “النموذج
التركي” الذي يمثله خط أردوغان-داوود أوغلو. 


لكن التشخيص نفسه كان حافزاً لدى القوى الديمقراطية
الثورية لاستخلاص الدرس الرئيسي من الحراك العفوي, وهو ان وحدتها تشكل
الضمانة الأساسية لحماية الحراك و الحيلولة دون مصادرته لصالح الثورة
المضادة التي سرعان ما تبين أن مقر قيادتها في واشنطن بالتنسيق مع تل ابيب.
فبعيداً عما يقال عن “نظرية المؤامرة” هناك الثورة المضادة و قد تكشفت من
خلال تناقضات الإمبريالية و أزمتها, و عبر “نظريتها” بوضوح احد ابرز
إيديولوجيي المحافظين الجدد, فوكوياما, في كتابه  الجديد “النظام السياسي
من ما قبل الإنسانية حتى الثورة الفرنسية”, إذ سمى الحراك الثوري العربي
ب”التشنج العربي” , و قدم الحل لهذا “التشنج”: الدين. و ما شهدناه جلال
السنتين لا يعدو كونه تطبيقاً لهذه النظرية, بتقديم الإسلامي السياسي
“المعتدل” في نظر “الناتو”, المسلح إيديولوجياً بالأصولية التكفيرية ليقدم
نفسه رديفاً للسلطة العسكرية, السباقة في الوقوع في حضن الثورة المضادة. 


من الواضح أن “نظرية الثورة المضادة” هذه تعتمد على
محاولة جر القوى الديمقراطية الثورية الحقيقية للوقوع في فخ الصراع ضد
الدين الذي تجري مصادرته بدوره لصالح الترسانة الأيديولوجية للثورة
المضادة. 


لذا يتعين على القوى الديمقراطية الثورية أن تخوض الصراع
الأيديولوجي كأحد وجوه “النضال الديمقراطي العام” (العام بمعنى الشامل كافة
مجالاته) الذي كان الجواب الذي قدمه لينين على سؤال “ما العمل؟”. 


وبالتالي يتركز الصراع الأيديولوجي الذي تخوضه القوى
الديمقراطية الحقيقة, على فضح نفاق الثورة المضادة المستترة بالإيمان
الديني, و ذلك ارتباطاً بالعمل الديمقراطي الملموس, في إطار ديمقراطي ليسار
موحد يرحب بالمؤمنين الذين يتبنون خطه السياسي, دون “المثقف” 
النيوليبرالي الذي يبني مجده على نقد الفكر الديني من خلال ممثليه
اليمينيين, ليتحول في أوساط المثقفين اليساريين إلى تسويق “النموذج
التركي”! 


منقول عن مجلة النداء (اللبنانية) العدد:206