المنشور

ماذا فعلتم بالقَسَم الطبي؟ – سوسن دهنيم

«ينبغي أن يكون المتعلم للطب في جنسه حراً، وفي طبعه جيداً (…)، جيد
الفهم، حسن الحديث، صحيح الرأي عند المشورة، عفيفاً شجاعاً غير محبٍ للفضة،
مالكاً لنفسه عند الغضب، ولا يكون تاركاً في الغاية، ولا يكون بليداً،
وينبغي أن يكون مشاركاً للعليل مشفقاً عليه، حافظاً للأسرار، لأن كثير من
المرضى يوقفونا على أمراض بهم ولا يحبون أن يقف عليها غيرهم».

هذا
وصف دقيق لمواصفات الطبيب وضعه مع جملة أخرى من المواصفات أول مؤرخ وفيلسوف
في الطب وهو أبقراط، الذي وضع القسم الطبي بعد ذلك قبل أن يتم تعديله
تعديلاً بسيطاً مع التطور الديني والاجتماعي في كل دولة من دون الإخلال بما
جاء به من أخلاقيات وثوابت ينبغي على الطبيب التحلي بها، والتي تتضمن عدم
إفشاء أسرار المرضى بما فيها المعلومات عن حالتهم بغير إذن منهم، ومراعاة
الطبيب لمن درسه المهنة واعتباره كأبٍ له ومراعاة زملائه في المهنة
وتعليمهم ما يحتاجون.

ما حدث لدينا في البحرين للطاقم الطبي وما
يُراد له أن يحدث هو عكس هذا تماماً؛ إذ أوضح الدكتور طه الدرازي في كلمته
التي ألقاها في جمعية العمل الديمقراطي (وعد) حول وضع الطاقم الطبي
والخدمات الصحية في البحرين في يوم الأربعاء الماضي، أن الهيئة الوطنية
لتنظيم المهن الصحية قد عمّمَت على جميع مراكز العلاج على اختلافها الخاصة
والعامة تعليمات بضرورة إبلاغ الجهات الأمنية حول أي جريح يلجأ لها للعلاج،
وإن لم يفعل سيكون عرضة للمساءلة، هذا التعميم قديم، ولكن الدرازي ذكّر به
في فعالية جميعة «وعد» لينكأ الجرح مرة أخرى.

تعميم يريد لبعض جوانب
القسم الطبي أن تُلْغى؛ إذ تنص بداية القسم الطبي بحسب المؤتمر العالمي
الأول للطب الإسلامي على: «بسم الله الرحمن الرحيم. أقسم بالله العظيم أن
أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف
والأحوال، باذلاً وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن
أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم»، ما يعني أن على الطبيب
أن يعالج أي مريض من غير انتظار إذن بهذا ومن غير الحاجة إلى إفشاء معلومات
حول وضعه الصحي لأية جهة مادام غير موافق على هذا الإفشاء.

إن ما
يحدث الآن لجرحى الأحداث ممن لا يستطيعون الذهاب إلى المستشفيات والمراكز
الصحية العامة خوفاً من التبليغ عنهم وبالتالي اعتقالهم أو مساءلتهم أو
إلصاق التهم بهم، يجعلنا اليوم نتساءل: أين مفهوم الحياد الطبي الذي حافظ
عليه الأطباء من الذين تضرروا في الأحداث عندما عالجوا الجميع بلا استثاء؟
وماذا يراد للقسم الطبي أن يكون في ظل هذه الضغوط التي تفرضها الجهات
الرسمية على الأطباء والمعالجين والجرحى أنفسهم؟ وإلى أين ستصل بنا الخدمات
الطبية، عندما يضطر الطبيب إلى معالجة أحدهم في البيوت لإنقاذه من جرحه
وإنقاذ نفسه من المساءلة القانونية مع عدم توافر كافة الاحتياجات التي من
الممكن أن تسهل العلاج وتسرع في الشفاء؟

نتمنى أن يُتْرَك الأطباء
ليقوموا بواجبهم تجاه المرضى، جميع المرضى، من غير إقحامهم في الخلافات
السياسية؛ لننعم بخدمات صحية متطورة لا تتأثر بتغير الأحداث أو الانتماءات
أو المذاهب أو الأعراق.

سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3822 – السبت 23 فبراير 2013م