المنشور

بين ربيع البحرين 2001 والربيع العربي 2011

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 نشرت مجلة «العربي» الكويتية استطلاعاً عن ما كان يجري في البحرين آنذاك، وعنونت استطلاعها «البحرين بارقة من الأمل». كتب الاستطلاع الدكتور محمد منسي قنديل، وبدأه بالقول «أجل إنها بارقة كبيرة من الأمل، تشع علينا من جزيرة صغيرة وسط خليج حار، فالبحرين تعيش هذه الأيام تجربة مختلفة من تاريخها، تعيش ربيعاً بالغ الخصوصية تنبع من بين صخور الملح وبقايا المحَّار، جزيرة ضيقة بأرضها رحبة بنفوس أهلها، يطلع منها جيل جديد من الحكام العرب يعلن عن ولادة نظام جديد قادر على محو تركة الماضي، وإضاءة شموس صغيرة قادرة على إنارة المستقبل، إن التاريخ يتغيَّر بسرعة في تلك الجزيرة المثقلة بالتاريخ».

ويواصل الكاتب «سألني وزير الإعلام البحريني نبيل الحمر حين قابلته: كيف تسير أمورك في البحرين؟ قلت: في النهار أجلس مع المهتمين بالسياسة، أما في الليل فأذهب إلى تجمعات الفنانين التشكيليين. قال الوزير على الفور: بيني وبينك أنا أفضل الفن على السياسة. ولكن كان لابد من الحديث في السياسة، فالمناسبة التي قادتني إلى البحرين هي تلك التغيرات السياسية المتلاحقة التي تعيشها، وليس من المبالغة القول إن أهل البحرين يستيقظون يومياً على خبر جديد يبيح أمراً كان محظوراً في السابق، أو يعلن عن بدء مشروع كانوا في أمسّ الحاجة إليه، وكما تقول الدكتورة رفيعة غباش رئيسة جامعة الخليج وهي متخصصة في الطب النفسي: لقد أشرقت قلوب البحرينيين وعادت إليهم ابتسامة كانت غائبة، ولا يعرف أهمية هذه الحالة مثل طبيب نفسي. ويقول الفنان المعروف عبدالله المحرقي: الآن أستطيع أن أرسم دون ألم. أما منصور الجمري وهو واحد من أشد المعارضين فيصف الأمر بأنه أشبه بحلم كان من المستحيل تصوره، فذلك الشاب الذي قضى أكثر من 15 عاماً ممنوعاً من دخول البحرين يجد نفسه فجأة على أرضها وبين ناسها بل إن أمير البلاد نفسه يقابله ويسمح له بقول كل ما يريد قوله في المحاضرات والمنتديات العامَّة… إنها حالة نادرة من الانفتاح السياسي قلَّما تشهده ليس البحرين والخليج فقط ولكن كل بلدان الوطن العربي. ويعبر د.محمد جابر الأنصاري المفكِّر المعروف عن ذلك الأمر قائلاً: «لقد أصبحت لدينا الشجاعة على مواجهة أخطاء الماضي»، وقد بدا هذا الأمر واضحاً في كلِّ ما قمت به من مقابلات. فقد قابلت أثناء جولتي في البحرين العديد من الشخصيات الذين يمثلون كلَّ ألوان الطيف السياسي، وكل يبادرني بالقول: «اطرح عليَّ أي سؤال تشاء»، ذابت الخشية والتوقي ولم يعد هناك كلام في المحظور، بل لم يعد محظوراً أصلاً في البحرين. إن الحماس لما يحدث يتعدى نطاق الجزيرة الجغرافي الضيق ليؤثر في المحيط العربي العام المتعطش لأي ممارسة ديمقراطية، فلذلك الركود العربي السياسي قد أماتنا جميعاً وقتل في داخل العديد منا أي أمل في التغيير، لذلك كانت المفاجأة أن يأتي التغيير من البحرين».

استطلاع مجلة «العربي» كان طويلاً، وهو كان واحداً من المقالات العديدة جدّاً آنذاك، وكلها كانت تمجِّد بربيع البحرين الذي بدأ قبل أن يبدأ الربيع العربي بعشر سنوات، ونشر التفاؤل وجمع قلوب الناس من كل حدب وصوب، ودفع بمكانة البحرين عالياً في كل محفل. وفي استطلاع مجلة «العربي» نقل الكاتب ما قاله المفكر محمد جابر الأنصاري: «إن المجتمع البحريني يضم مسلمين من جميع المذاهب الإسلامية الخمسة، وليس صحيحاً أن طائفة الشيعة هي التي قامت بالاضطرابات الأخيرة التي شهدتها البحرين وخاصة التسعينات، ولكن كانت هناك اضطرابات من سكان القرى الذين أهملوا طويلاً، وأنا أقول – وهذا الكلام على مسئوليتي – إن السلطة التنفيذية قد أهملت القرية البحرينية على مدى السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، ولعلك شاهدت الاستقبال الأخير الذي قام به سمو الأمير إلى جزيرة سترة لقد دخل في سيارة مكشوفة إلى مناطق لم تكن تدخلها قوات الأمن إلا في سيارات مدرعة، واكتشف بنفسه أن المنطقة تشكو من قلة الخدمات إلى حد كبير، وقد أمر سموه بتعديل هذا الوضع في الحال…».

لن أسترسل أكثر في نقل ما ورد في ذلك الاستطلاع، سوى أنني وددت أن نقارن وضعنا الحالي مع ما كنا عليه. آنذاك كانت البحرين هي المبادرة والمقدامة في ميدان السياسة والانفتاح، ودخلت ربيعها بينما كان الآخرون في عالم آخر. حدث الكثير بين ربيع البحرين في 2001 والربيع العربي في 2011، ولقد كان من المفترض أن نقود الآخرين في ربيعهم بدلاً من أن تتراجع أوضاعنا إلى وضعها المؤسف الحالي. لعلنا بحاجة إلى صراحة من تحدثوا إلى مجلة «العربي» – وقد نقلت البعض القليل مما ورد – لكي نستوضح المخرج من أزمتنا الحالية.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3820 – الخميس 21 فبراير 2013م