المنشور

توقيت غير مناسب لتجديد طلب قرض “الصندوق” لمصر



ما إن تأكد رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل من أن التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس مرسي على تشكيلة الوزارة المصرية، لم يطل رأس الحكومة نفسها، أي لم يطله شخصياً، حتى عاود مغازلة صندوق النقد الدولي بطريقة غير جيدة، ومناشدة تشكيلة حكومته الجديدة أو من أُوكل إليه التحدث باسمها من دون إفصاح، لاستئناف المفاوضات بشأن قرض الصندوق قيد التفاوض والتعاقد مع مصر والبالغ 8 .4 مليار دولار .

فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسعود أحمد المسؤول عن إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي “يبدو لي من الواضح أن السلطات في مصر باتت مستعدة الآن تماماً للدفع باتجاه استئناف المفاوضات حول قرض الصندوق” . وهو قرض مطلوب بإلحاح، من وجهة نظر الحكومة المصرية، لسد العجز قصير الأجل في طاقة التمويل التي تعانيها مصر تأثراً بتداعيات ثورة 25 يناير 2011 . موضحاً أن “بعثة من الصندوق ستتوجه بالفعل إلى القاهر في الأسابيع المقبلة لتقييم الوضع الاقتصادي ومناقشة الإجراءات التي يفترض أن تتخذ مقابل القرض (منها زيادة الضرائب ورفع الدعم عن بعض السلع)، وأن موعد زيارة البعثة هو بيد السلطات المصرية”، على حد قوله .

والغريب أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي التي يديرها الوزير الدكتور أشرف العربي، قد أصدرت تصريحات يوم الخميس 24 يناير 2013 أي قبل يوم واحد من الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، تحاكي تماماً مواقف ورؤى يوسف بطرس غالي وزير المالية ووزير الاقتصاد في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك لجهة تعميق التوجهات الليبرالية الاقتصادية غير المنضبطة في مجال السياستين المالية والنقدية، وذلك بتهويل الوزارة المذكورة ووزيرها الدكتور العربي من تداعيات الاضطرابات السياسية التي تشهدها مصر وتأثيراتها السلبية في استئناف مفاوضات قرض صندوق النقد الدولي المقرر منحه لمصر . وذهب الوزير في تحذيراته من أن إضرابات جمعة إحياء ذكرى الثورة ستؤثر في فرص استئناف الطرفين، مصر والصندوق، مفاوضاتهما بشأن القرض الذي تحتاج إليه الحكومة، كما قال، لتقليل عجز الموازنة المتوقع أن يصل إلى 200 مليار جنيه مصري .

وكما صار معلوماً، فإن الأحداث قد اتخذت منعطفاً خطراً منذ حلول الذكرى الثانية لإسقاط نظام مبارك، ما فاقم الضغوط الواقعة على سعر صرف الجنيه المصري .

كما أن تصريحات الرئيس محمد مرسي وبعض وزراء تشكيلته الحكومية حول وضع العملة المصرية والموقف المالي العام التي حاولت تهدئة مخاوف الناس بشأن إفلاس الخزينة، لم تكن موفقة، حيث زادت تشكك المواطنين ودفعتهم للإقبال بصورة أكبر على شراء الدولار كملاذ آمن للحفاظ على قيمة مدخراتهم، ما فاقم الضغوط على الجنيه المصري .

كما هو واضح، فإن الاقتصاد المصري هو في وضع لا يحسد عليه . ولذلك نجد الاقتصاديين في مصر حائرين وهم يقلبون مساحات الخيارات الضيقة المتاحة أمام اقتصاد بلادهم لإخراجه من مأزقه . بعضهم من المحسوبين على حزب العدالة والتنمية الحاكم يميلون لإلقاء مسؤولية تدهور سعر صرف الجنيه المصري (باعتباره مؤشراً إلى التدهور الاقتصادي المؤثر سلباً في الموقف التفاوضي الاقتراضي الدولي)، إلى السياسة النقدية التي كان يتبعها النظام السابق والمتمثلة في تدخل البنك المركزي المصري في السوق لشراء الجنيه منعاً لانخفاضه أمام الدولار . ولكن هؤلاء لا يجرأون على اقتراح البديل (غير المستساغ)، وهو ترك سعر صرف الجنيه نهباً لقوى السوق بحيث يعكس سعره الوضع الحقيقي للاقتصاد المصري، وبالتالي تجنب استنزاف الاحتياطي في عمليات دعمه . مع أن الجزء الأعظم من الاحتياطيات المنفقة على هذا النشاط التدخلي للبنك المركزي المصري (أكثر من 22 مليار دولار) قد تم ضخه في السوق من قبل البنك المركزي في العامين الماضيين اللذين دخلت فيهما مصر حال الاضطراب السياسي الذي تعيشه، ثم إن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لعدم التدخل لحماية الجنيه ليست أقل من كلفة التدخل، إن لم تكن أكبر بكثير .

على أية حال، مصر الآن لو عادت بحالتها الاقتصادية الضعيفة الراهنة إلى طاولة المفاوضات مع الصندوق، فإنها يجب أن تضع نفسها في الوضع نفسه الذي وُضعت فيه اليونان وهي تتلقى روشتات المتعهدين بإنقاذها من الإفلاس التام: وزراء المال في الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي .

و”الخلاص” الذي يتوسله حزب العدالة والتنمية الحاكم من خلال التسليم بأي ثمن بشروط إقراض صندوق النقد الدولي من جهة، و”التفاهم” مع رجال أعمال عهد مبارك تحت عنوان “التصالح في القضايا المتعلقة بالمال العام لاستعادة الاستقرار الاقتصادي والاستثماري للبلاد”، عوضاً عن التوقف عن نهج الهيمنة التامة على الدولة المصرية والتصالح مع بقية الكيانات السياسية، إن ذلك الخلاص المنشود لن يتحقق، وإنما سيزيد تعقيدات الوضع المالي والاستثماري للاقتصاد المصري، وسيعمق فجوة عدم الثقة بين النظام والشرائح العظمى من الشعب، والتي (أي الثقة)، من دونها لا يستقيم أي حديث عن استهدافات تنموية حتى لو كانت متواضعة .