المنشور

حول موضوع التحالفات في الحزب الشيوعي اللبناني – د. مفيد قطيش


موضوع التحالفات بالفعل موضوع خلافي في هيئات الحزب .لكن المؤسف ان الذين يناقشونه لا يتجاوزون اصابع اليد. سيكون هذا الموضوع رئيسيا في نقاشات المؤتمر. ولا ابالغ ان بعض الذين يناقشونه من الهيئات يفتقرون الى تملك الخلفية الفكرية لطرحه بحيث يبدو موضوع التحالف وكأنه رغبة ذاتية في قبول أو عدم قبول التحالف وفي تحديد الحلفاء.يشهد على ذلك سقوط صفة الطبقي عند ذكر التحالف لأن المقصود بالتحالف لدى الشيوعيين ليس تلك الأطر التي تقام بين قوى يسارية تتشابه مشاريعها وبرامجها وانما المقصود بذلك تحالف بين قوى طبقية مختلفة وهذا مصدر أهمية اقامة التحالف.

هذا مقتطف من دراسة على وشك ان تصدر في مجلة الطريق عن مشروع مهدي عالم والتحالف جزء اساسي منه :

التحالفات الطبقية

أدرك مهدي جيداً طبيعة المرحلة-التحرر الوطني- ومهماتها المتشابكة فما كان صعباً عليه أن يستخلص ضرورة التحلفات الطبقية من أجل إنجاز هذه المهمات محتفياً بالنقد الذاتي الذي مارسه المؤتمر الثاني بحق الخط الإنعزالي اليميني واليساري الذي مارسه الحزب والمواقف التي اتخذها من القوى السياسية والإجتماعية . لا نبالغ بالقول أن مهدي منظر التحالفات . والاّ لما كان لديه مبرر لكتابة “في تمرحل التاريخ”.لأن الحديث عن مرحلة حديث عن مهماتها والمصالح والقوى الإجتماعية صاحبة المصلحة بتحقيقها . والتحالف كما قال مهدي إستناداً إلى لينين”مفهوم مادي ينطلق في ممارسة التحالفات الطبقية من تحديد علمي دقيق لطبيعة المرحلة التاريخية التي تمر بها البنية الإجتماعية، لأن طبيعة المرحلة هذه هي التي تحدد طبيعة تلك التحالفات . وينطلق أيضاً من واقع الأختلاف الطبقي بين القوى الأجتماعية المتحالفة وليس من واقع التماثل بينها ولا تماثل أصلاً بينها ، سواء في انتمائها الطبقي أم في مصالحها الطبقية.ولو كان هذا التماثل قائماً لأ نتفت ضرورة التحالف نفسه.وحين تتحدد المرحلة التاريخية بكونها مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية فإن التحالف الطبقي بين القوى الإجتماعية التي لها مصلحة طبقية في تحقيق هذه الثورة أو قل في تحقيق هذه المرحلة المحددة من السيرورة الثورية العامة، لا يمكن أن يقتصر على العمال والفلاحين وحدهم ، دون غيرهم، من الفئات والطبقات الإجتماعية الأخرى،لأن اقتصاره على هؤلاء يعني أن المرحلة التاريخية هي مرحلة الإنتقال المباشر إلى الإشتراكية وتحققها،وفي هذا يتناقض مع التحديد السابق لهذه المرحلة.

ويبحث مهدي أسباب إقتصار التحالف على العمال والفلاحين في شعارات الحزب السابقة ويقرر أن مثل هذا التناقض في الممارسة السياسية يدل على ان الغموض يكتنف ليس فقط مفهوم الثورة الوطنية فحسب بل مفهوم المراحل في السيرورة الثورية هذه ومفهوم التحالفات الطبقية واختلافها باختلاف هذه المراحل ومفهوم علاقة التناقض ونوعه بين عناصر التحالف الطبقي، ومفهوم الدور الطبقي للطبقة العاملة في هذه السيرورة الثورية المتميزة من حيث هي سيرورة ثورة التحرر الوطني وفي مراحلها المختلفة في اطار تلك التحالفات الطبقية.

ويؤكد مهدي أن”سياسة التحالفات هي في ممارسة الطبقة العاملة أساسية لصيرورتها طبقة مهيمنة نقيض ، وأن الشكل الذي تقوم فيه هذه التحالفات الطبقية يتحدد بالشكل الذي يتحرك فيه الصراع الطبقي في البنية الجتماعية ، ويختلف، في هذا التحدد نفسه،باختلاف المرحلة التاريخية التي تمر بها هذه البنية الاجتماعية.ولأن الصراع الطبقي في البنية الاجتماعية الكولونيالية يتحرك بالضرورة في شكل صراع وطني فان علاقة التحالف الضروري بين الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيين تأخذ في معركة التحرر الوطني ،أي في معركة الصراع الطبقي ضد البرجوازية الكولونيالية شكل الجبهة الوطنية. فغياب شعار هذه الجبهة يدل اذن ،في الممارسة السياسية للحزب ،على غياب الفهم البروليتاري الصحيح لحركة التحرر الوطني.”

ويجتهد مهدي في تحديد الأسس التي يعتمدها الحزب في التحالف وأهمها:

– عدم محاولة فرض الهيمنة على الحلفاء، بعكس ما يحاولون هم القيام به..

– البحث عن كل ما يوحد ونبذ كل ما يفرق.

– عدم اعتبار ان الوصول لموقع الهيمنة الطبقية في التحالف يتم بقرار مبدئي وانما في حقل الصراع الطبقي واقناع الناس وبممارسة الطبقة والحزب وهذا يعني أن الطبقة العاملة وحزبها لا تكون في موقع الهيمنة لان موقعها الطبيعي كذلك.وان موقع الهيمنة هو نقطة وصول وليس نقطة انطلاق.

– على الحزب أن يعمل دوماَ للحفاظ على هذا التحالف الطبقي الضروري، وعلى تماسكه الداخلي، برغم الصعوبات وبرغم تردد الحلفاء وتذبذبهم، وبرغم رفضهم أحياناً التحالف مع حزب الطبقة العاملة وخوفهم منه. (هنا تكمن مرونته السياسية) ويعمل في الوقت ذاته للحفاظ على استقلالته (وهنا تكمن صلابتها الطبقية) لأن الإستقلال شرط لديمومة التحالف ولأن التحالف اطار لتحقق الاستقلال الطبقي.ولا استقلال خارج التحالف .

ويؤكد مهدي أن “علاقة الاختلاف الطبقي بين الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيين في مرحل تاريخية محددة ( الثورة الوطنية الديمقراطية) هي الأساس المادي لعلاقة التحالف.من موقع هذا الاختلاف تمارس الطبقة العاملة صراعها الطبقي لفرض التحالف على حلفائها ضد البرجوازية المسيطرة. فالاختلاف هو الذي يسمح للطبقة العاملة ان ترى مصالح الآخرين واخذها بعين الاعتبار لإقامة التحالف.وينتقد مهدي ممارسة الحزب السابقة ( وهذا ينطبق عليها اليوم) لأن الحزب كان (واليوم) يطلب من حلفائه او المرشحين للتحالف معه ان يسيروا في تحالفهم مع الطبقة العاملة وفق مصالحها الخاصة لا وفق مصالحهم.

ان سياسة التحالفات الطبقية تنطلق بالضرورة من تحديد العدو الطبقي الرئيسي في المرحلة المحددة.وبتحديد العدو الرئيسي يتحدد الحلفاء الطبقيون.في تحديد الحلفاء نحدد بينهم الأساسي والثانوي لأن بينهم تفاوت يعقّد عملية الصراع الطبقي. ويميز مهدي بين فئات مختلفة من البرجوازية المسيطرة،حيث يتكلم عن الفئات العليا الرجعية والصغيرة والفئات المتوسطة وتلك التي ترتبط مصالحها الطبقية بتطور الانتاج المادي المحلي.فهناك الفئة المهيمنة – الطغمة المالية، يعني أن الطبقة المسيطرة ليست كتلة متجانسة بل فيها فئات مختلفة تخضع للفئة المهيمنة التي تحاول جعل مصالحها اساس السيطرة كما توجد بين هذه الفئات تناقضات ثانوية ينبغي استغلالها والحؤول دون تماسكها ومن الضروري عزل الفئة المهيمنة واقامة علاقات مع الفئات الاخرى.ويرفض مهدي بالكامل مفهوم البرجوازية الوطنية التي يتم اليوم استخدامها لتخويف الناس من التحالفات الطبقية. انها غير موجودة من حيث الأساس.

” هذا هو الأساس المادي الذي يستند اليه الحزب الشيوعي اللبناني في ممارسة سياسة تحالفاته الطبقية بعد مؤتمره الثاني. فهو عكس حلفائه الطبقيين، لا يحاول فرض هيمنته عليهم، ولا يجعل من هذه الهيمنة شرطاً لتحالفهم معه. انه من موقع استقلال خطه السياسي البروليتاري ينطلق في البحث عن كل ما يوحّد، وفي نبذ كل ما يفرّق، لأن موقع الهيمنة الطبقية في اطار التحالف الطبقي لا يتحدد بقرار مبدئي( مثلا بسبب انه الحزب الطليعي)، أو بإرادة ذاتية بمعزل عن علاقة القوى الطبقية المتحالفة في حقل الصراع الطبقي، بل هو يتحدد في هذا الحقل، بهذه العلاقة الممارسية نفسها. والعلاقة هذه ليست ثابتة بل تاريخية متحركة..”فحيث ينجح في كسب الثقة سوف يزداد دوره وحيث يفشل في كسبها يتراجع دوره.

هنا تظهر بالفعل ضرورة الحزب بالنسبة إلى الطبقة العاملة لأن الحزب هو الذي يقودها في ممارسات صراعاتها الطبقي لضرورة احتلالها موقع الهيمنة في تحالفاتها الطبقية. ولان موقع الهيمنة في هذه التحالفات هو نقطة وصول لا نقطة بداية من الصراع الطبقي، ولان منطق هذا الصراع هو في البنية الاجتماعية الكولونيالية منطق الضرورة في وصول الطبقة العاملة الى موقع الهيمنة الطبقية في تحالفها الطبقي… فان الحزب يعمل دوماً على الحفاظ على هذا التحالف الطبقي الضروري وعلى تماسكه الداخلي برغم الصعوبات وبرغم تردد الحلفاء وتذبذبهم وبرغم رفضهم احياناً التحالف مع حزب الطبقة العاملة وخوفهم منه.

التحالفات في عصر جديد

بعد ربع قرن على غياب مهدي عامل تتجدد المشاكل ذاتها تقريبا وتنطرح الأسئلة ذاتها وبينها السؤال الرئيسي: كيف نغيّر بنية اجتماعية تسيطر فيها البرجوازية الكولونيالية في تحالف واضح مع البرجوازية الامبريالية على مقدرات البلد وتعيق تطوره بنظام سياسي طائفي يسيطر على كافة الفئات الاجتماعية في مناخ من ضعف التفارق الطبقي( اي اختلاط الطبقات الكادحة ببعضها وحتى مع فئات برجوازية صغيرة وفئات وسطى) فيختلط الحابل بالنابل في ظل سيطرة مطبقة ايديولوجية اقتصادية سياسية للبرجوازية الكولونيالية؟

نعيش اليوم تناقضا بين الممارسة السياسية للحزب الشيوعي (لأحزاب الطبقة العاملة)وبين مهام المرحلة الراهنة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي ترجمها المؤتمر الثالث بشعار الحكم الوطني الديمقراطي وكرسها المؤتمر العاشر بنفس الشعار.(ويبدو ان بعض من وافق على هذا الشعار لا يفهم مضمونه او انه كان مروبصا).ليس لدينا تحالفات وليس لدينا جبهة لا بل ان النقاش يدور حول التحالفات بدون خلفية نظرية .نحن بممارساتنا نعزل الطبقة العاملة ونساهم في شرذمتها.ولا حاجة هنا لكبير عناء في تفسير هذا الواقع لأن تفسيره موجود عند مهدي عامل:انه الغموض وسوء الفهم لطبيعة المرحلة ولبنية علاقات الأنتاج وخاصة للعلاقة الكولونيالية وللتناقض الرئيسي وللمهمات المطروحة في هذه المرحلة وبشكل عام لمبدأ تمرحل الصراع وتمرحل التحالفات، وهو ما نسمع احيانا بصدده كلاما من نوع اننا لا نتحالف الاّ مع من يشبهنا أو استحالة التحالف بالأستناد الى قضية واحدة مثل مقاومة أسرائيل او مواجهة المخططات الأمبريالية ولأن التحرير لا يكتمل الاّ بالتغيير الديموقراطي الجذري ( لا نتحالف الا مع من يوافق على التغيير الجذري!! وهل هناك حاجة لتحالف مع من يوافق على التغيير الجذري؟ اليس حريا بنا ان نندمج معه؟).اننا بهذا المعنى نشهد تغييبا لكل تراث المؤتمرات الحزبية التي حولت الحزب الشيوعي الى قوة يسارية حقيقية في المنطقة العربية وأخص بالذكر المؤتمر الثاني والثالث والرابع وتغييبا لتراث مهدي عامل الذي لم يتحول الى مادة تثقيفية للشيوعيين بدليل قلة عدد المطلعين على هذا التراث.

في هذا السياق وبالأستناد الى نظرية مهدي للتحالفات أكرر وصيته في هذا المجال التي يمكن ان تأخذ الشكل التالي:

على الحزب الشيوعي أن يستند في صياغة تحالفاته الطبقية إلى تحديد علمي دقيق لطبيعة المرحلة التاريخية التي يمرّ بها لبنان , والبلدان العربية، لأنّ طبيعة هذه المرحلة تحدّد المهمات الوطنية ذات الأولوية، وتحدّد طبيعة الصراع الطبقي وأشكاله، وتحدّد التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية، ولذا فإنّها تحدّد التحالفات- أشكالها، وطبيعتها.

ولأنّ المرحلة التاريخية الراهنة هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي تستهدف إنجاز مهمات قومية، اقتصادية، اجتماعية وسياسية تضمن تحرير لبنان والبلدان العربية من عوائق تطوّرها- التبعية البنيوية للإمبريالية، السيطرة الإمبريالية المطلقة على بلدنا وسيطرة البرجوازية التابعة في مختلف أوجهها- الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية. فإنّ الصراع الطبقي في لبنان، كما وكل البلدان العربية، يتخذ شكل الصراع الوطني، ضدّ البرجوازية الإمبريالية وضدّ البرجوازية اللبنانية التبعية من أجل تحقيق مهمات تحررية مترابطة، قومية اقتصادية، اجتماعية وسياسية.

من هنا يرتسم التناقض الرئيسي- التناقض المسيطر والمحرّك للصراع الطبقي كصراع وطني، وهو تناقض بصدد السلطة السياسية، بين الطبقتين الرئيستين- البرجوازية التابعة والطبقة العاملة، والذي تتسع دائرة أطرافه أو تضيق لتتشكل على شكل قطبين- قطب متمحور حول البرجوازية التابعة وحلفائها محليا وإقليميا وعالميا، وقطب يضمّ كافة المعترضين والمقاومين من طبقات وفئات اجتماعية مختلفة من البروليتاريا والفلاحين والبرجوازية الصغيرة والفئات المتوسطة وغيرها. إنّ هذا القطب يفتقر راهنا إلى القوة المحورية الحقيقية بسبب ضعف الطبقة العاملة وتشتتها وسعي ونجاح فئات برجوازية صغيرة ومتوسطة لاحتلال موقع المحور.

ومن هنا أيضا يتحدد العدو الرئيسي المتمثّل بالطغمة المالية اللبنانية وحلفائها المحليين والإقليميين والبرجوازية الإمبريالية، وتتحدّد عناصر الطرف النقيض وخاصة الطبقة العاملة ممثلة بحزبها الشيوعي والقوى اليسارية وفئات البرجوازية الصغيرة والفئات الوسطى.

انطلاقًا من هذه الحيثيات- طبيعة المرحلة وطبيعة وشكل الصراع الطبقي والتناقض الرئيسي المسيطر يرى الحزب الشيوعي أنّ مهمات المرحلة تتجاوز مصالح الطبقة العاملة والفلاحين إلى فئات البرجوازية الصغيرة والبرجوازية المرتبطة بالإنتاج الوطني لأنّها فئات متضرّرة ومهدّدة من السيطرة الإمبريالية المباشرة وغير المباشرة، ومتضرّرة من سياسات الطغمة المالية التي تشارف حدود التفريط بكلّ ما هو وطني. ولذلك فإنّ التحالف الطبقي الذي ينبغي أن يسعى الحزب الشيوعي لإقامته يتّسع لكافة القوى صاحبة المصلحة في تحقيق هذه المهمات، وإنّ الشكل المناسب في هذه المرحلة هو الجبهة الوطنية. ولذا فإنّه سيبذل جهده لإقناع وجذب هذه القوى إلى هذا الشكل من التفاعل والنضال. وهو يدرك أيضًا، أنّ سير هذه الجبهة لتحقيق هذه المهمات بشكل جيّد يحتاج إلى نواة يسارية صلبة تضمن بقاء الجبهة في الوجهة الضرورية، وأنّ هذه النواة اليسارية لن تقوم بمهمّتها ولن تتشكل أساسا من دون حزب شيوعي قوي ومعافى. لذا فإنّ عملا مكثّفا ومتوازيا لتحسين وضع الحزب ولإنشاء حالة يسارية ولتكوين جبهة وطنية ينبغي أن يتمّ، بحيث تشكّل كلّ حلقة إن نجحت دعما لإنجاح الحلقات الأخرى. لذا فان الجبهة هي المنارة التي على الحزب أن يدعو للسير باتجاهها مهما كانت بعيدة ومهما كانت الطريق باتجاهها وعرة.

لكن العمل من أجل هذا الشكل الرئيسي للعمل التعاوني مع حلفاء محتملين لا يلغي اشكالا أبسط من العمل المشترك حول قضايا معينة قصيرة الأجل ولا يلغي العلاقات العامة حتى وان لم يكن لها موضوع محدد للقيام بها. غير أن الخطر يكمن في اسبدال الأشكال الفعالة للعمل المشترك بالعلاقات العامة .

وينبغي ان يستند الحزب في رسم سياسة تحالفاته وتنفيذها إلى جملة من المبادئ والقواعد، وخاصة انطلاقه في كلّ ذلك من موقعه الطبقي ومن فهمه لواقع الاختلاف الطبقي مع القوى المرشحة للتحالف والتفاوت في المصالح معها، ومن رفضه قبول هيمنة أي طرف وعدم سعيه للهيمنة على أحد، ومن سعيه أيضا للحفاظ على كلّ ما يوحد ونبذ كل ما يفرّق بين أطراف التحالف مؤكدًا على استقلاليته في إطار التحالف،بتأكيده على تمثيل مصالح الفئات الكادحة والمستغلة والأصرار على تحقيق مصالحها.

وفي هذا السياق يرى الحزب أن التناقض الرئيسي لا يختصر كلّ التناقضات في البنية الاجتماعية، ويعي وجود تناقضات ثانوية،تتحدد بالنسبة الى هذا التناقض بالذات، بين أطراف كلّ قطب من قطبي التناقض الرئيسي.ومع ذلك يبقى هذا التناقض البوصلة التي يسترشد بها الشيوعيون في نضالهم وصياغة تحالفاتهم. وهو في ذلك سيسعى لمعالجة التناقضات الثانوية مع الحلفاء المحتملين على نحو لا يهدّد التحالف ولا تكون على حساب المصالح المشتركة. كما أنّه سيعمل على الاستفادة من التناقضات الثانية في الطرف الآخر من التناقض الرئيسي لإضعاف جبهة العدو الطبقي.

من هذا المنطلق يحدّد الحزب علاقته بالقوى السياسية المستظلة بالإسلام كإيديولوجيًا، والمعبّرة عن مواقع طبقية مختلفة، بما في ذلك مع حزب الله كونه حزب مارس ويمارس صراعًا ضدّ إسرائيل والمخططات الإمبريالية في لبنان والمنطقة في حدود فهمه الخاص والمحدود طبقيا لخطر هذه المخططات وفي حدود المصالح والمواقع التي يمثلها ويعبّر عنها. وينطلق الحزب الشيوعي في ذلك من الممارسة العملية لهذه القوى وليس من خلفيتها الإيديولوجية ولا من صفحات مؤلمة شهدتها علاقاتنا السابقة وإنما من مصلحة العملية التحريرية.ويميّز الحزب بين ممارسات هذه القوى من خارج السلطة وممارساتها من داخل السلطة. ويميز بين مشاركتها في عملية سيطرة مؤقتة على السلطة السياسية تولد لديها أوهاما بانها تؤثر في القرارات السياسية والأقتصادية-الأجتماعية وبين الهيمنة الطبقية المعقودة في كل الأحوال للطغمة المالية.

إنّ الحزب يؤكد على تعاونه مع كلّ القوى التي تتبنّى مقاومة الإمبريالية والاعتداءات الصهيونية وحماية لبنان، بمعزل عن قناعاتها الإيديولوجية، ما عدا تلك الساعية لإرجاع مجتمعنا إلى القرون الوسطى.(تماما كما جاء في بيان اطلاق جبهة المقاومة) كما يؤكّد الحزب على تعاونه مع القوى السياسية المقتنعة بضرورة تجاوز الطائفية كشكل تاريخي للنظام السياسي في لبنان لأنّه لا نجاح في مواجهة الإمبريالية دون تحقيق إصلاحات وتغيير داخلي يبعد الطغمة المالية عن السيطرة السياسية.

ومع أنّ الحزب يؤكد وينطلق في نضاله من ترابط وجهي المسألة الوطنية- القومي والاجتماعي- فإنّه لا يطرح هذا الترابط شرطًا للتحالف، بل يعتبره نقطة ينبغي أن يصلها التحالف عبر النضال المشترك، وهي قد تتحقّق أو لا تتحقّق ارتباطا بقدرة الحزب ونفوذ الطبقة العاملة ومسار الصراع الطبقي. لكنّ دحر السيطرة الإمبريالية مرحلة ضرورية في المسيرة الثورية الوطنية تستحق بذل الجهود وتجميع القوى الضرورية لإنجازها واقامة الأطر الضرورية لذلك.