المنشور

المحلي المُعَوْلم


ثمة فيلم سينمائي، ليس جديداً هو فيلم “باريس، تكساس” للمخرج فيم فندرز . المخرج ألماني، والتمويل أمريكي، والتوزيع أيضاً تتولاه شركة أمريكية، لكن الفيلم يقدم رؤية أوروبية عن موضوع أمريكي .

ثمة ازدواجية أو ربما تناقض في الأمر يكمنان في صناعة الفيلم: استثماره وأرباحه من ناحية، وفكرته من ناحية أخرى . فيلم بإنتاج أمريكي وتسويق أمريكي، ولكنه يطرح فكرة تتصل بإبراز الهوية الثقافية المستقلة إزاء الهيمنة الثقافية الأمريكية: أمريكا تُسوق أوروبا داخل أوروبا .

هذا مثل ساقه أحد المشاركين في ورشة “الثقافة والعولمة والنظام العالمي” الصادرة في كتاب، ليبرز الآلية المعقدة للعلاقة بين ما هو وطني أو محلي، وما هو عالمي أو معولم، أو بتعبير بعض الدارسين: المحلية المعولمة . ثمة أمثلة أخرى في هذا السياق: في مسابقة الأوسكار في سنة ليست بعيدة، منحت جائزة لهيئة السينما القومية الكندية في ذات الوقت الذي كانت فيه اتفاقات التجارة الأمريكية  الكندية تهدّد عملياً بالقضاء على ما تبقى من خصوصية للثقافة الكندية .

في أواخر العام 1989 عرضت الحكومة الفرنسية موقفها من المعضلة ذاتها، حين لاحظت أن ثلثي دخل تذاكر السينما في فرنسا يذهب للأفلام الأمريكية، ورغم أنه كانت توجد، دائماً، قيود حكومية بل وحصص لاستيراد الأفلام الأجنبية بهدف رئيس وربما يكون وحيداً: الحد من نفوذ الأفلام الأمريكية داخل فرنسا، فإن تلك القيود كانت موجهة فقط إلى عدد الأفلام المعروضة، لذا كانت قاصرة عن معالجة الإقبال الكبير على الأفلام الأمريكية من خلال الأشرطة وأسطوانات العرض الممغنطة، ما جعل المسؤولين الفرنسيين عن الثقافة وكذلك الساسة يفكرون في إيجاد وسائل أشد فاعلية لتحقيق ما يصفونه ب “إنقاذ السينما الفرنسية” .

وإذا كان الحديث هنا يدور عن بلد راسخ الثقافة والتقاليد الفنية مثل فرنسا، فكيف سيكون فيه الحال في ثقافات بلدان أخرى فقيرة وتعاني التهميش؟

ثمة مثال أخير: موسيقي ياباني شهير كتب مرة مقالاً في صحيفة أمريكية بارزة فحواه أنه داخل أمريكا لا أحد يشتري منتجات الثقافة الأجنبية، غير الأمريكية، فيما يشتري اليابانيون طوال الوقت الموسيقا الأمريكية .

لا تتضمن هذه الآراء بالضرورة موقفاً سلبياً من المنتوج الثقافي الأمريكي، وإنما تنبه إلى الخلل الكبير في عملية التبادل الثقافي على النطاق الكوني لمصلحة ثقافة واحدة، وهذا الأمر يطمس التنوع في الإبداعات الإنسانية في مجالات الأدب والفن والموسيقا والسينما .