المنشور

انحراف الحقوق الاقتصادية والسياسية سبب ثورات الربيع العربي

أصدر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية أمس (الثلثاء)، تقريراً يتحدث عن الربيع العربي، الأسباب والدوافع تحت إطار «المقايضة المغلوطة» بين الحقوق الاقتصادية والسياسية التي كانت سبباً في اندلاع ثورات واحتجاجات الربيع العربي، ودعا إلى ضرورة سير الإصلاحات الاقتصادية مع الإصلاحات السياسية؛ لأن غياب ذلك معناه انحراف كلي بين الحقوق الاقتصادية عن الحقوق السياسية، أي انحراف في التطور والتنمية وتكافؤ الفرص التي خرج الشباب العربي من أجلها.

ويأتي صدور التقرير- بحسب تقارير صحافية – بعد أكثر من عامين على اندلاع الربيع العربي، إذ أشار إلى أن الأسباب الكامنة وراء الربيع العربي تتضمن انحراف نموذج التنمية، وتفكك العقد الاجتماعي اللذين قام بموجبهما المواطنون العرب بمقايضة الحريات السياسية مقابل الحصول على الوظائف، والإعانات المتنوعة والتي تسمى بالمكرمات في بعض الدول أو بالاستراتيجيات المؤقتة، وتدني الضرائب والحصول على مساعدات من الدولة.

وهو ما أدى – بحسب تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة – إلى ضعف هيكليات الحوكمة الديمقراطية والاقتصادية وانحراف المحفزات الاقتصادية عن مسارها، بل وممانعة أنماط التحول الهيكلي لاستحداث فرص العمل اللائق، وهو ما يعني أن التحولات المستمرة في المنطقة العربية تبرز «المقايضة المغلوطة بين الحقوق الاقتصادية والحقوق السياسية، فعلى الإصلاحات الاقتصادية أن تتماشى جنباً إلى جنب مع الإصلاحات السياسية».

الحقوق الاقتصادية والسياسية هي جزءٌ لا يتجزأ من مطالب الشباب في الشوارع العربية، ولعل فضاء الانترنت يعكس هذه المطالب وينقل صراخها على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي حتى اليوم، وهي بلا شك ساعدت على عرض وطرح مطالب لا يسمح بالكتابة أو التحدث عنها. فـ «تويتر» وحاليّاً «انستغرام» (صور ناطقة)، أصبحا فضاءً مناسباً إلى التعبير، بل وساعدا الناس على التواصل بين بعضهم بعضاً، وخصوصاً في أوساط الشباب والفئة التي تتمتع بوعي سياسي، بينما الأنظمة السياسية استخدمته في القذف والتشهير وملاحقة كل من يختلف معها في الرأي.

لم تكتفِ الحكومات بمقاومة مطالب الشباب بالشتم في مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر»، بل أيضاً ذهبت تقاومه بمنع المسيرات والمظاهرات من خلال اطلاق الغاز المسيل للدموع والمفرقعات الصوتية والرصاص بشتى أنواعه حتى التعرية والضرب لدرجة الموت وغيره. كل ذلك من أجل الحد من صراخ الشباب الذي ما من أحد في موقع السلطة يريد أن يسمعه أو حتى يحسن من أوضاعه المتردية في ظل استمرار سياسة تسلب المواطنة والحقوق.

إن أدوات الشباب اليوم تعد أدواتٍ ثورية للاتصال، تجلب بدورها العديد من الأصوات الجديدة والمقنعة، ولأن الشباب العربي يبحث عن مكان له في مجتمعه؛ تجده منذ حلول موجة الربيع العربي وهو ينظِّر وينظِّم ويحتج ويتظاهر، بل ويتصرف بكل شجاعة من دون خوف، لكنه لايزال متهوراً في تحديد الصورة التي يريد أن يحقق بها مطالبه الحقيقة، ولهذا نجد الثورة السياسية لا تكفي، بل يجب أن تصاحبها ثورة اجتماعية وثقافية حتى تكتمل الصورة على غرار ما حدث مثلاً في فرنسا.

لقد حذَّر هذا التقرير من أن المنطقة العربية قد تسجل أدنى معدلات النمو الاقتصادي حتى العام 2015 بالمقارنة مع جميع مناطق العالم بعد دول أميركا اللاتينية، وأشار إلى أن النسبة المتوقعة تبلغ 3.8 في المئة في شمال افريقيا و4.5 في المئة في الشرق الاوسط. ونظراً إلى استمرار النمو السكاني في المنطقة؛ لن تحدث هذه المعدلات إلا أثراً طفيفاً على الدخل الحقيقي للفرد. وارتفع عدد السكان في المنطقة من 224 مليون نسمة العام 1991 الى 343 مليون نسمة في العام 2010، أي بزيادة 53 في المئة. ولأجل بناء مسار أكثر شمولية واستدامة نحو النمو الاقتصادي؛ دعا التقرير الى تعزيز سياسات الاقتصاد الكلي لتحسين الأرباح الإنتاجية وزيادة الأجور والى التواصل والحوار الاجتماعي وإلى تعزيز الحماية الاجتماعية التي تضمن الأمن على مستوى الدخل والتوظيف. كما دعا أيضا الى تحسين الوصول الى تعليم ذي نوعية عالية واحترام الحرية النقابية وتعزيز الحكم الرشيد.

لهذا؛ فإن الشباب الذي يصرخ كل يوم في الشوارع بحاجة إلى أن يسمع من قبل الأنظمة إن كانت تريد الاستمرار؛ لأن القدرة على الاستماع قد تحدُّ من هدر المال والوقت والجهد، هذا قبل فوات الأوان، وقبل أن تتبدل الأوضاع ويخرج لنا بوضع إما أسوأ أو أفضل، فالمصارحة والتنازل أفضل أدوات المرحلة الحالية بالمنطقة العربية، والمقاومة تقتصر في عرقلة المطالب، لكن تلك المطالب لن تموت؛ لأن نبض الشارع والشباب مازال مستمرّاً إلى أن يحقق ما يطالب به، وهذا قد يكلف الكثير بعدما انحرفت الحقوق الاقتصادية والسياسية بشكل فاقم المشاكل داخل مجتمعات المنطقة، بحسب طبيعية وظروف كل مجتمع.


ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية