المنشور

مسيرة بدأت ولابد أن تستمر

المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» كينيث روث كتب مقالاً قبل يومين عن الصعاب التي تمر بها البلدان العربية بعد انطلاق احتجاجات وثورات ما سُمي بـ «الربيع العربي»، وحاول الرد على القائلين إن الوضع تحول إلى الأسوأ بدلاً من الانتقال لبيئة ديمقراطية تحترم الإنسان وتفسح المجال لتنمية تليق بالإمكانات والثروات المتوافرة لبلدان المنطقة.

ولعل نظرة شاملة على مختلف البلدان تشير إلى إما انتشار أعمال الشغب والاضطرابات وانعدام الاستقرار، أو إلى انتشار ميليشيات تسيطر على مناطق واسعة كما في ليبيا، أو استمرار المذابح بلا هوادة في سورية، وبروز دور التيارات الرجعية وانتهاج الكثير من المساكين بزمام الأمور النهج الطائفي المعتمد على بث الكراهية بين الناس وتأزيم الأوضاع كوسيلة لتفريق المجتمعات ومن ثم السيطرة عليها.

المقال يشير إلى أن ما حدث ويحدث ليس مختلفاً عمّا حدث في مناطق أخرى، مثل أميركا الجنوبية، عندما بدأت تنتفض على الاستبداد وتنتقل إلى الديمقراطية، وهذا يؤكد أنه ليس من السهل إقامة النظم الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان، ولكن ينبغي أن نتذكر أن المنطقة كانت تحت فترات قاتمة من الحكم الاستبدادي الذي كان يبدو وكأنه استحكم في رقاب الناس إلى ما لا نهاية. أما الآن وقد خاطر الناس بحياتهم من أجل تحقيق الانعتاق من الخوف، ومن أجل مستقبل يختلف عن الماضي البائس، فإن المسيرة التي انطلقت من أجل تثبيت كرامة الإنسان كأساس للحياة العامة لابد أن تستمر نحو مضاعفة الجهود الإيجابية لترشيد الحراك التاريخي الذي فتح المستقبل على خيارات تختلف عن الماضي.

الجماعات التي وصلت إلى مواقع السلطة بسبب حركات الربيع العربي، كما في تونس ومصر، بدأت تدرك أن الأغلبية التي حصلت عليها في الانتخابات لا تمنحها يداً مطلقة لتفعل ما تشاء، إذ إن القانون الدولي لحقوق الإنسان (المتمثل في الإعلان العالمي والعهدين الدوليين والاتفاقيات الحقوقية الدولية) يمثل إطاراً غير قابل للتنازل عنه، وهذا يتطلب تثبيت مبادئ وقيم أساسية، مثل: أن كرامة الإنسان يجب أن تكون غير منتقصة، والتعذيب محرم، والتمييز العنصري والطائفي محرم، والمساواة أمام القانون واجبة، والحق السياسي له حدود دنيا يجب الالتزام بها، والثروات الوطنية ليست متاعاً خاصاً، والشعوب ليست قطعاناً من الغنم. المسيرة نحو تحقيق الديمقراطية بدأت، ولابد لها أن تستمر.


منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية