المنشور

انقلاب على المجتمع



أبعد
ما يكون عما تعارفنا على وصفه ب”نظرية المؤامرة” يمكن أن نقرر يقيناً
تدعمه الدلائل من حولنا أن الغرب، اليوم كما بالأمس، ليس معنياً بمسألة
التحول الديمقراطي في العالم العربي، رغم شحنة الخطاب الأيديولوجي  العالية في خطابات الرئيس أوباما أو سواه من زعماء الدول الغربية، عن حرص مزعوم على إشاعة الديمقراطية في بلداننا .


أظهر
الغرب وسيظهر اهتماماً بما يمكن أن نعده الجانب الإجرائي للديمقراطية،
الذي يقف عند حدود المظهر من دون أن يطال الجوهر، من نوع إجراء الانتخابات
النيابية، وإظهار نوع من الحرص على ألا تكون هناك أوجه تزوير فجة على نحو
ماكان دارجاً في مصر السادات ومبارك وفي غيرها من البلدان العربية .


 لكن
آخر ما يعني هذا الغرب الجوهر الاجتماعي للديمقراطية متمثلة في أمرين
أساسيين على الأقل، أولهما تدعيم مواقع القوى الحديثة، بما فيها الليبرالية
المؤمنة باقتصاد السوق والمتماهية مع نسق الحياة الغربي، لأن هذه القوى
تحمل، رغم ذلك، تصوراً لبناء مجتمعات حديثة تصان فيها حقوق المرأة والحريات
المدنية، أما الأمر الثاني فهو تحقيق البعد الاجتماعي للديمقراطية من حيث
هي توزيع عادل للثروة واقتسام السلطة، عبر تفعيل مبدأ الفصل الفعلي بين
السلطات .


لن
نتوقف كثيراً أمام التجربة العراقية المريرة، فلقد قيل فيها الكثير عن
أولويات الاحتلال الأمريكي للبلاد، عبر تحفيز واستثارة النوازع المذهبية،
وإقصاء القوى الحديثة وتهميشها، فما نراه من نهج براغماتي للغرب في التعامل
مع الوضع المستجد في مصر، يُقدم معطيات جديدة عن استعداده للدخول في
مقايضات، مُعلنة أو مستترة، مع الإسلام السياسي الذي أظهر استعداده
للاستمرار في تأمين مصالح الغرب التي كان النظام السابق يُؤَمنها له .


 وللغرب
في هذا تبريرات يُسوقها، أهمها القول بأن النظام الجديد في مصر كما في
تونس وغيرها من بلدان أتى محمولاً على دعم شعبي في انتخابات نزيهة، وسيجادل
هذا الغرب المعترضين على نهجه من ممثلي القوى المدنية في البلدان المعنية
بأن القوى الإسلامية تخلت عن نهجها الانقلابي، وارتضت الاحتكام إلى آليات
اللعبة الديمقراطية .


ما
يتجاهله الغرب هو أن هذه القوى لم تعد في حاجة للانقلاب بعد أن باتت هي في
الحكم، لكنها في الحقيقة تمارس الانقلاب لا على الحكم إنما على المجتمع
كاملاً، على تعدديته وتنوعه ومنجزات أجيال من أبنائه تحققت بشق الأنفس .