المنشور

جئنا من الباب ذاته


يلزم أن نعرف، حكماً من سيرة هيرمان هيسه، الروائي الألماني الذي نال “نوبل” للآداب عن روايته “لعبة الكرات الزجاجية” في ستينات القرن العشرين، أنه، إضافة إلى كونه روائياً مميزاً، كان رساماً، لكي نستطيع ولوج أجواء روايته “الصيف الأخير”، بسلاسة أكبر، ذلك أن الرواية تدور حول رسام يتماهى مع الطبيعة، وهو يقدم خلاصة تأملاته في الحياة والموت والخلود، ليثير في أذهاننا أسئلة عميقة عن مغزى الحياة، وعن مكانة الحب فيها .

طالعتُ صوراً للوحات هيسه، فانتابني الإحساس أنه يرسم مناخات هذه الرواية، وربما مناخات روايات أخرى له، بينها “سدهارتا” التي استوحى أحداثها وشخوصها من زيارة له إلى الهند، فالشحنة البصرية في وصفه البديع للطبيعة لاتنم عن مهارات روائي فحسب، وإنما عن موهبة رسام، يرى مكامن الجمال في الكون، وبإمكاننا أن نجول في صفحات الكتاب مستمتعين بلغة الكاتب العبقرية وهو يؤثث روايته بذلك الوصف الأخاذ لكل ما هو جميل حوله في فضاء مفتوح على سماء وحقول .

بسبب معارضته للحرب العالمية الأولى، ومجاهرته بعبثية فكرة الحرب ذاتها، لوحق هيسه في ألمانيا، فوجد في الريف السويسري الهادئ ملاذه للتأمل والكتابة، وللرسم أيضاً كما بتنا نعرف . هذه العزلة، بعد تجارب قاسية في الحياة، جعلت من كتابة هيسه ترتقي إلى مصاف التأمل الفلسفي العميق الذي لم تكن خافية فيه تأثيرات الحكمة الشرقية التي أخذ بها، وهو يرى أن الغرب يفقد عقله، مندفعاً نحو مهالك الحروب التي يمقتها .

الشاعر الشهير بوشكين كان يعدّ الخريف أحب الفصول إلى نفسه، لكن كلينكسر بطل رواية “الصيف الأخير”، يرى أن الصيف أحبّ الفصول وأغناها بالنسبة إليه، لأنه، بتعبيره، فصل مشبوب العاطفة، ولأنه كان يدرك أن حياته قصيرة، فإنه يريد أن يعبئها كاملة، وإذ تقترب نهايته ينتابه الحزن والأسى لأنه ما من شيء على الأرض إلا وودّ أن يرسمه، وما من امرأة على الأرض إلا وودّ لو أنه أحبّها .

في رواية أخرى له، هي “دميان” يقول هيسه، على لسان البطل: “لم أكن أر
يلزم أن نعرف، حكماً من سيرة هيرمان هيسه، الروائي الألماني الذي نال “نوبل” للآداب عن روايته “لعبة الكرات الزجاجية” في ستينات القرن العشرين، أنه، إضافة إلى كونه روائياً مميزاً، كان رساماً، لكي نستطيع ولوج أجواء روايته “الصيف الأخير”، بسلاسة أكبر، ذلك أن الرواية تدور حول رسام يتماهى مع الطبيعة، وهو يقدم خلاصة تأملاته في الحياة والموت والخلود، ليثير في أذهاننا أسئلة عميقة عن مغزى الحياة، وعن مكانة الحب فيها .

طالعتُ صوراً للوحات هيسه، فانتابني الإحساس أنه يرسم مناخات هذه الرواية، وربما مناخات روايات أخرى له، بينها “سدهارتا” التي استوحى أحداثها وشخوصها من زيارة له إلى الهند، فالشحنة البصرية في وصفه البديع للطبيعة لاتنم عن مهارات روائي فحسب، وإنما عن موهبة رسام، يرى مكامن الجمال في الكون، وبإمكاننا أن نجول في صفحات الكتاب مستمتعين بلغة الكاتب العبقرية وهو يؤثث روايته بذلك الوصف الأخاذ لكل ما هو جميل حوله في فضاء مفتوح على سماء وحقول .

بسبب معارضته للحرب العالمية الأولى، ومجاهرته بعبثية فكرة الحرب ذاتها، لوحق هيسه في ألمانيا، فوجد في الريف السويسري الهادئ ملاذه للتأمل والكتابة، وللرسم أيضاً كما بتنا نعرف . هذه العزلة، بعد تجارب قاسية في الحياة، جعلت من كتابة هيسه ترتقي إلى مصاف التأمل الفلسفي العميق الذي لم تكن خافية فيه تأثيرات الحكمة الشرقية التي أخذ بها، وهو يرى أن الغرب يفقد عقله، مندفعاً نحو مهالك الحروب التي يمقتها .

الشاعر الشهير بوشكين كان يعدّ الخريف أحب الفصول إلى نفسه، لكن كلينكسر بطل رواية “الصيف الأخير”، يرى أن الصيف أحبّ الفصول وأغناها بالنسبة إليه، لأنه، بتعبيره، فصل مشبوب العاطفة، ولأنه كان يدرك أن حياته قصيرة، فإنه يريد أن يعبئها كاملة، وإذ تقترب نهايته ينتابه الحزن والأسى لأنه ما من شيء على الأرض إلا وودّ أن يرسمه، وما من امرأة على الأرض إلا وودّ لو أنه أحبّها .

في رواية أخرى له، هي “دميان” يقول هيسه، على لسان البطل: “لم أكن أريد إلا أن أعيش وفق الدوافع التي تنبع من نفسي الحقيقية، فلِمَ كان ذلك بهذه الصعوبة؟” . وفي “الصيف الأخير” يبدو الكاتب قريباً من الفكرة إياها، فجميعنا جئنا من الباب ذاته، ويستطيع كل منا أن يفهم الآخر، لكن أياً منا لا يستطيع أن يشرح نفسه إلا لنفسه .



يد إلا أن أعيش وفق الدوافع التي تنبع من نفسي الحقيقية، فلِمَ كان ذلك بهذه الصعوبة؟” . وفي “الصيف الأخير” يبدو الكاتب قريباً من الفكرة إياها، فجميعنا جئنا من الباب ذاته، ويستطيع كل منا أن يفهم الآخر، لكن أياً منا لا يستطيع أن يشرح نفسه إلا لنفسه .