المنشور

ميدان التحرير لأهله

 
في الجمعة الماضية أتى إلى ميدان التحرير أهله، وغاب عنه الدخلاء عليه . فالإخوان المسلمون لم يأتوا إلى الميدان إبان ثورة 25 يناير 2011 إلا بعد بضعة أيام من انطلاقتها، حين تيقنوا من أن ضوء الشرارة التي أطلقها شباب مصر تجاوز محيط الميدان، وكاد يغطي مصر كلها . أتوا لأنهم رأوا الفرصة سانحة لاعتلاء موجة التغيير الجارفة، وإلا فإنها ستجرفهم من أمامها، كما جرفت أشياء كثيرة .

لقد عاد الميدان كما كان غريباً على الإخوان، يثير في نفوسهم التوجّس والريبة، ولو أنهم فكروا في المجيء إليه ما كانوا سيجدون منه ولا ممن هم فيه الترحيب، فآثروا الانزواء . الميدان هو مهد الثورة، والثورة لم يصنعها الإخوان، حتى لو كانوا، بما هم عليه من دهاء قد سرقوها، ولأنها ليست ثورتهم فإنهم غابوا عن إحيائها في ذكراها الثانية، بعد أن نالوا مبتغاهم: السلطة .

في الأصل كان إنشاء ميدان التحرير إعلان حداثة، وتعبيراً عن توقٍ إلى أن تكون مصر في المستقبل، لا في الماضي، فالخديوي إسماعيل المأخوذ بمشاهداته في فرنسا، أراد، وهو ينشئه أن يحاكي به الميادين المماثلة في باريس وغيرها من العواصم والمدن الكبرى، لكن هذا الميدان الذي خلع عن نفسه اسم الخديوي ليصبح: “ميدان التحرير” بعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952 سيغدو رمزاً لانطلاقة المصريين نحو التغيير، لا بالمعنى الذي قصده الخديوي فحسب، وإنما بالمعنى العميق لهذا التغيير، من حيث كونه نيلاً للحقوق السياسية والدستورية وللعدالة الاجتماعية، ولوضع مصر، فعلاً، لا شكلاً فقط، في قوام الأمم الناهضة، فتحوّل إلى منطلق للكثير من الهبّات والثورات الكبرى في تاريخ مصر .

أدرك قادة ثورة يوليو 1952 المغزى الرمزي لهذا الميدان في وجدان المصريين، فلم يكتفوا بتغيير اسمه، وإنما بأن جعلوا منه مكاناً لحشد الجمهور المؤيد للثورة فيه، اتساقاً مع تاريخ مجيد لهذا المكان في الذاكرة الوطنية والنضالية المصرية، منذ أن خرج في عام 1935 طلاب جامعة فؤاد، جامعة القاهرة حالياً، متوجهين إلى الميدان مطالبين باعادة العمل بدستور ،1923 ورغم أن الشرطة تصدت للمتظاهرين، فإن انتفاضتهم التي استمرت نحو أسبوعين، انتهت برضوخ الإنجليز لمطلبهم .

بعد ذلك ستتوالى الهبّات الثورية والوطنية التي سيحتشد فيها المصريون في الميدان في نضالهم من أجل نيل تطلعاتهم في الحرية والتحول الديمقراطي والعدالة، لتبلغ ذروتها في ثورة يناير المغدورة .