المنشور

العمال والطائفية.. اختطاف العمال


جاءت مرحلةُ الجمهوريات الدينية كقفزات إلى الوراء في
التاريخ الحديث للمسلمين، فالقوى التي قفزتْ لم تصبر على إحداث التراكم
الرأسمالي الطويل لتغيير طابع القوى المنتجة والاقتراب من التطور العالمي
الحديث.






وهذا ما أدى إلى أن تكون قوى الاستعجال من الأرياف تفرض قفزاتها على المدن السياسية القائدة التي تاهتْ بين التطور والفساد.





الجمهوريات العربية كانت أقرب للتحديث العلماني المبسط الشعاري لكنها فقدت
الصفتين الضروريتين المكملتين لرفع الجمهور إلى مستوى تطور العصر وهما
الديمقراطية والعقلانية، فواصلت الإبقاء على البُنى التقليدية المتخلفة،
وأشكالها الإيديولوجية التفكيكية في فهم الدين والحياة.


لهذا كانت
الجمهوريات الدينية قفزات إلى الوراء فهي عوضاً عن أن تكمل مسيرات الأنظمة
التحديثية تخلت عن قسماتها المتكاملة الإجبارية لهذا العصر.






تشير مرحلة
الجمهوريات الدينية إلى أنساق الفوضى في الاقتصاديات والاعتماد على رأس
المال الديني الاحتيالي الذي تكون في بعض الرساميل النفطية غير الديمقراطية
وتوسع في المصارف والشركات وهيمن على أموال المدخرين وقادها إلى أحلام
الغنى الوهمية وإلى الأعمال الدموية والفوضوية واضطراب الأسواق والدول.






الخداعُ الديني يكمن إيديولوجيا في الادعاء بالانتماء إلى المرحلة
الجمهورية المؤسِّسة لفجر الإسلام، في حين إنها تعود إلى مرحلة أسرِ
الأشراف التي استولت على الحكم في أعقابِ ذلك والتي هيمنت على العالم
الإسلامي المُفتت، ولهذا فالطابع الطائفي السياسي يكمن في كونها أحزاباً
طائفية مُفتِّتة، ولا تحمل طابعَ التوحيد.






هنا لم تستطع الفئات
البرجوازية الصغيرة والوسطى من تكوين رأسمالٍ صناعي قويٍّ يعيدُ تشكيل
المجتمعات، مثلما هي مضطربةٌ بين المذهب السياسي والإسلام التوحيدي العاجزة
عن الوصول إليه، فالتفكك بحد ذاته مقولات اقتصادية اجتماعية كنقصِ وسائل
المواصلات وربط أجزاء المجتمع وتحويل المهّمشين العاطلين والحرفيين
المنهارين ونساء البيوت والمغتربين إلى عمال صناعات كبرى، ولغياب ثقافة
التحديث التراكمية لدى المسلمين وبقية قوى العالم المتحضرة.






أي أن
المذهبيات السياسية جزء من عالم الإقطاع، عالمِ الجزئياتِ الصغيرة
الاجتماعية والسياسية، وتجاوزه يحتاج إلى التوحيد الاقتصادي الكبير
والأشكال السياسية التعاونية الواسعة.






الحصول على رأس المال الكبير
والقفز إليه يظهر في العودة الغريبة إلى الصناديق المالية الغربية ذات
الشروط القاسية والربوية، وهي المُهاجمة خلال عقود بسبب ذلك!






كذلك فإن
محاولات نشر النموذج الجمهوري العنفي الفوضوي اللاعقلاني في التاريخ العربي
الإسلامي في بلدان الخليج العربي مرةً عبر النموذج الإيراني، ومرة عبر
النموذج الإخواني، يتوجه لاستغلال الثغرات الاجتماعية والسياسية في تطور
هذه الدول والحصول على رأسِ المال الكبير المُفتَقد.






في حين إنه من
الممكن التعاون التوحيدي العربي الإسلامي عبر العلاقات الاقتصادية المفيدة
لكل الأطراف، لخلق تعاون واسع يطور القوى المنتجة في البشر والمصانع
والعلوم.






لكن هذا يتطلب العودة إلى نقد المذهبيات السياسية كتعبير عن
المغامرةِ وإنتاج الفوضى السياسية، أي إعادة النظر في تاريخ المسلمين بشكلٍ
موضوعي وليس بأشكال طائفية مؤدلجة لقوى ما قبل رأسمالية، وهذا ما يؤدي إلى
الارتفاع عن الأطر الضيقة للطوائف، واحترام التكوين التاريخي لها، وكذلك
الارتفاع إلى مستوى تجارب البشر الحديثة في تجاوز الأشكال الضيقة لعالم
الطوائف.






إن الصناعات الكبرى تتطلب ذلك ولهذا فإن الجمهوريات الدينية
المحافظة تعتمد على مدخرات العمال ونشاطهم الكثيف خلال عقود ثم تسيطر على
وعيهم وتقودهم إلى مغامرات بدلاً من أن توحدهم مع بقية العمال العرب
والمسلمين وتوحدهم مع بقية التكوينات الاجتماعية في بلدانهم لتكوين تلك
الصناعات التي لا تتكون إلا في شروط اجتماعية واقتصادية وثقافية متطور.