المنشور

التابع والمتبوع



لتقريب
صورة البلد التابع للبلد المتبوع يُشبّه الدكتور جلال أمين الأمر بحال شخص
يجلس في مقعد القيادة في هيكل قديم لسيارة خالية من المُحرك، وقد ربطت
بحبل بسيارة حقيقية في المقدمة، متسائلاً ما الذي يستطيع أن يفعله هذا
الشخص سوى أن يرجو ويتمنى أن يقوده سائق السيارة الحقيقية في الطريق
المنشود .


لا
حاجة إلى الشرح أن من يقود السيارة الحقيقية هو الدول الكبرى التي تجر
وراءها حشداً من الدول التابعة التي لا تملك السيطرة على مصيرها، حيث جل ما
تستطيعه هو التمني، إذا ارتضت البقاء في حالة التبعية، والتمني غير
التخطيط، ففي الحالة الأولى تكون في موقف المتفرج مكتوف اليدين، أما في حال
التخطيط للمستقبل فأنت الفاعل الحقيقي الذي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي
في تشكيل هذا المستقبل .


ما
أكثر ما يثار تساؤل عن مدى صدقية الحديث عن التبعية أمام طوفان العولمة
التي هَدّت الكثير من الأسوار والحواجز، حيث لم تعد الهيمنة تنحصر، كما
كانت في مراحل سابقة، في صيغة الاستعمار بمفهومه التقليدي، من حيث هو
مصادرة للقرار الوطني المستقل للبلدان الخاضعة له، وإخضاعها بالقوة في
معناها العسكري المباشر .


مع
نهاية الثنائية القطبية راجت نظريات تُبشر بما دعته أفول السيادة، حيث لم
يعد من الجائز الحديث عن استقلال الدول في عالم قائم على الاعتماد المتبادل
بين أطرافه المختلفة . وإذا ما وضعنا النوايا الحسنة جانباً، لأنها نوايا
لا يُعتدّ بها في عالم السياسة الدولية، فإننا يمكن أن نقرأ في هذه
الأطروحات تسويغاً للأشكال الجديدة للهيمنة، فحدود العلاقات الدولية مازالت
تُرسم لا على قواعد التكافؤ، وإنما وفق قواعد إخضاع الضعيف من قبل القوي .


يتحدث
مؤلفا كتاب “ما العولمة” عن مفهوم مُبتكر بعض الشيء، يُطلقان عليه
“السيادة الجديدة”، رغبة منهما في الذود عن مفهوم السيادة وعدم التنازل عنه
أمام طغيان ما هو عالمي، من خلال إعطاء الدولة أدواراً جديدة .


ثمة
شروط لذلك يضعانها، بينها واحد أحسب أنه يعنينا نحن العرب كثيراً، فحواه
أن الدولة إذا كانت على درجة صادقة من الديمقراطية، تمتلك، بموجبها، شرعية
تمثيل المواطنين فيها، بما يقوي الجبهة الداخلية للبلد المعني، فإنها تكون
محُصّنة بوجه الاختراقات الماثلة التي قد تبلغ حد تفكيك الأوطان، وإعادة
رسم حدودها، على نحو ما رأينا وما قد نرى .