المنشور

العمال والطائفية: وحدةُ المصنع


تتكرس الوحدة الوطنية ليس في الشوارع بل في المصانع أساساً.





المصانعُ هي الخلية الرئيسية لإنتاج الوحدة الوطنية والعقلانية السياسية.





العلاقات الصراعية بين الرأسماليين والعمال تؤدي تاريخياً لتأطيرها ضمن
الوحدة الصراعية، وبدونها تتعرض المجتمعات والتجارب السياسية للتمزق والفشل
والعودة مجدداً إليها.






إن أرباب العمل لا تدفعهم إلى المشروع الصناعي نزعاتٌ خيرية بل البحث عن أرباح متصاعدة وسريعة لو أمكن.





إن أوضاعَ السوق والمتاح المفيد من المشروعات هي المحركات السريعة
للمخاطرة برأسمالهم، وهذا الوعي المباشر النفعي هو ما يتكرس غالباً وطويلا
في الفهم التجاري السائد، وكلما كانت دورةُ رأسِ المال سريعةً ومفيدة
وخالية من المخاطر الاجتماعية والسياسية كان ذلك هو الأفضل.






أما تغيير
الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاهتمام بطبيعة العمال الفكرية والوطنية
فهي خارج الوعي النفعي المباشر، ولكن تلك الأوضاع وطبيعة العمال الوطنية هي
أمور جوهرية تؤثر في مصائر المصنع والحياة الاقتصادية عامة.






ورب العمل
الكائن الاقتصادي النفعي المباشر يتطور ويفهم الأوضاع التاريخية التي تؤدي
لازدهارِ بنية اقتصادية معينة وانهيار بنية اقتصادية أخرى.






فالعمال
ليسوا كمّاً بشرياً بل هم طبقةٌ شديدة الأهمية والضرورة للمصنع، وبدونها
وبدون تطورها وإعادة إنتاجها في الأجيال القادمة، لا آفاق تاريخية له.






تفجرت الأزماتُ الوطنيةُ والتاريخية في البلدان المختلفة حين تفجرت الأزمات
في المصانع بدايةً، فعملياتُ التسريحِ الواسعة، أو الاعتماد الكثيف على
العمال الأجانب بدون خطط للتطور الوطني، كانت هي المصادر الأساسية للأزمات
السياسية الطاحنة عبر العقود.






أرباب العمل في تسريحهم للعمال أو في تفضيلهم للعمال ذوي الأجور الشديدة الانخفاض الأجانب كانوا يلغون الوحدةَ الوطنية في المصنع.





هذه الأوضاع أدت للقلاقل الاجتماعية السياسية الطويلة وغالباً ما يرون
الربيع العربي بدون هذه السببيات الجوهرية. فقد اختلت الوحداتُ الوطنية على
مستويات المعامل والمناجم والممتلكات الحكومية الاقتصادية أساساً وفاضت
على المجتمعات.






المنجمُ يقدم مواد ثمينة للشركة الحكومية ويقدم أجوراً
شديدة الانخفاض للعمال وتقوم القوى الوسيطة: المقاولون والإدارات الحكومية
والبنوك الحكومية والخاصة، بالاستفادة الكبرى من الفوائض الاقتصادية، بحيث
تتحول المنطقة المنجمية أو الصناعية، إلى حزامِ فقرٍ وحين يتكاثر الأبناءُ
بدون قدرة على الدخول في المناجم والمصانع والاشتغال في مهن هامشية كما حدث
لبوعزيزي، فيؤدي ذلك لقيام قوى غير منتجة خاصة الأحزاب باستغلال الأزمة
والصعود للسلطات، ولكن المنجم يُتركُ في فقرهِ ولعدمِ تغيير العلاقات داخله
ويُطلب منه الاستمرار في الانتاج داخل نفس الخريطة الاقتصادية الاجتماعية
المتخلفة!






وذلك لأن عمالَ المنجم وأرباب العمل لم يتفاوضوا هم ويشكلوا
وحدةً سياسية وطنية ويحددوا دور المصنع أو المنجم في الحياة الاقتصادية
السياسية المشتركة وكيفية تطور الشبكة الصناعية العمالية التعليمية في
النطاق الوطني بأسره بحيث لا تعتمد على الوسطاء الطفيليين وبحيث تتكاثر
المصانعُ من خلال الفوائض النقدية ويتم تطويرها التقني المواكب للعصر.






الوحدة الوطنية هي من خلال هذا الصراع التوحيدي الرأسمالي العمالي فيقوم
انقسام الجماعاتِ على أساس موقعها في الانتاج وليس على أساس عقيدتها
الدينية، وعلى اختلاف مفاهيمها في كيفية توزيع الفوائض الاقتصادية، وكيفية
تطوير القواعد الاقتصادية الوطنية، ومحاربة البطالة والفقر وضعف المدارس
الصناعية وعادات البذخ والكسل والإدمان الجماهيرية، فثمة نقاط مشتركة وثمة
اختلافات، وهذا يجري عن طريق تيارات سياسية تبلور هذه الاختلافات وتعمل
أعمالاً مشتركة أو أعمالاً فردية في ظل الاختلاف الوطني التعاوني تحت قبة
البرلمان.






الوعي النفعي المباشر للطبقات يظهر من خلال النزعات العفوية
الصراعية المؤثرة على تطور المنتجين، وعبر تركِ قوى سياسية تستغللا هذه
الصراعات لمصالحها الذاتية، ولهذا فإن حزبي أرباب العمل والعمال يكونان
مهمين في حضورهما التاريخي القائم على إنتاج المعرفة الاقتصادية السياسية
الاجتماعية لكلا الجانبين، ولوجودِ المصانع ومستقبلها الاجتماعي والتقني
وعلاقاتها بالأسواق وبالمواد الخام المتجددة وعلاقاتها بالعلوم الطبيعية
والعلوم الاجتماعية وبتطور القوى المنتجة، وعبر الارتفاع عن هذا الوعي
النفعي المباشر لكلا الفريقين، هذا يهتم بأرباحه لأقصى درجة وذاك يهتم
بأجوره لأقصى درجة.