المنشور

ماذا نعرف عن عمالنا الأجانب؟



يقودنا الحريق الذي وقع في حي المخارقة بالمنامة، وأدى
إلى وفاة وإصابة نحو عشرين عاملاً، إلى التبصر في أحوال ومعاناة العمال الأجانب
المقيمين بين ظهرانينا، ويشاركونا العيش والعمل على هذه الأرض، وقد كُتب وقيل
الكثير عن أمر التركيبات السكانية في مجتمعات الخليج، وآثار هذه الفسيفساء البشرية
من الأعراق والأديان واللغات في تكوين صورة المدينة الخليجية المعاصرة التي تبدو
في حالة “انتقالية” دائمة بسبب وتائر التحولات الديموغرافية والعمرانية
في شكلها الخارجي والحراك في نسيجها الاجتماعي، وهي حالة تبدو استثنائية في إطار
التحولات في وجه المدينة العربية عامة في العقود القليلة الماضية.  


لكن ما لم يجر التمعن والتمحيص فيه كفاية هي
“العوالم” الخاصة للجاليات غير العربية، الآسيوية خاصة، المقيمة في
بلدان الخليج والتي تشكل النسبة الأعلى من الكثافة البشرية في هذه البلدان: كيف
تفكر وكيف تعيش وكيف تتواصل وكيف تنظر لأهالي المنطقة أو للجاليات الأخرى المقيمة،
بما فيها الجاليات العربية، وما هي ضوابط أو معايير العلاقة بين هذه الجاليات،
وهذه كلها عناصر مهمة جديرة بالبحث والتقصي من قبل الباحثين والمهتمين. 


 ويلاحظ أن
الإعلام الذي يهتم بأمر هذه الجاليات هو إعلام ناطق أو مكتوب بغير العربية، إنه
إعلام من داخل هذه الجاليات بلغاتها ولهجاتها، ويعكس تراثها الثقافي واللغوي
والديني.  


صحيح أن الجرائد الإنجليزية الصادرة في بلداننا الخليجية
والموجهة هي الأخرى لهذه الجاليات أو لشرائحها المتعلمة والقارئة، تُولي عناية
أكير لقضايا هذه الجاليات وثقافاتها، لكن يبقى القارئ العربي، مواطنا خليجياً  كان أو مقيماً من الأشقاء العرب، في جهل مطبق
بهذه القضايا والثقافات، وتبقى هذه الجاليات أشبه ما تكون “بالغيتوهات”
البشرية المغلقة على نفسها في أصداف صلبة. 


وهذا القول لا يتناقض البتة مع ما نكرره دوما عن
التأثيرات السلبية الجانبية للكثافة العددية الهائلة للعمال الآسيويين في بلدان
الخليج، خاصة على الناشئة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العدد الهائل من الخدم
والمربيات وكذلك الزيجات المختلطة خاصة من قبل الكهول وكبار السن. 


ولكي نستوعب هذه التأثيرات ونحتويها ووضع استراتيجيات
سكانية مستقبلية في بلدان المنطقة، تضع بعين الاعتبار الحاجات التنموية لهذه البلدان
من جهة، والمفاعيل الاجتماعية والثقافية، والسياسية أيضاً لوجود هذه الجاليات
الكبيرة بيننا من جهة ثانية، فنحن بحاجة لمعرفة هذه “العوالم” المغلقة
التي تعيش بيننا، أعني معرفتها من داخلها. 


وهذا يطرح أمراً محيراً بالفعل، فكيف تستكين مجتمعات
بكاملها إلى ظاهرة بحجم العمالة الأجنبية بين ظهرانيها، دون أن تكون على معرفة
بالخصائص النفسية والثقافية والدينية وسواها لأفراد هذه الجاليات، وأكثر من ذلك
تغفل عن المعاناة المريرة لأفراد هذه الجاليات، وما يتعرضون له من اضطهاد وسوء
معاملة لا تليق بكرامة الإنسان، وتتناقض مع المعايير الدولية المرعية في العلاقة
مع العمالة المهاجرة، وهو ملف لا سبيل لتفادي طرح حيثياته بصراحة ووضوح، والتعامل
معه بمسؤولية وجدية قبل فوات الأوان. 
  


د. حسن مدن