المنشور

كل عام والفساد بألف خير يا بحرين! – عيسى سيّار

لقد مضى على مشروع الإصلاح السياسي في البحرين أكثر من عقد من الزمان،
بدأ بالتصويت على ميثاق العمل الوطني، وانتهى بحراك 14 فبراير/شباط، شهد
الكثير من التحولات الكمية والنوعية والأحداث السياسية والاقتصادية
المفصلية بالبلاد، ولعل أهمها دستور 2002 والانتخابات البرلمانية والبلدية
وتحقيق نوع من المصالحة الوطنية من خلال رجوع المعارضين والمبعدين والعفو
عن المعتقلين السياسيين وتشكيل هيئات وأجهزة للتنظيم الإداري والرقابة.
واستبشرت البلاد والعباد خيراً بأن مثل هذه الإجراءات والخطوات غير
المسبوقة ستعمل على تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي من جهة،
ورفع مستوى الشفافية والنزاهة في كافة مؤسسات الدولة والرقابة الصارمة على
استخدام المال العام من جهة أخرى.

والتساؤل المحوري الذي سنطرحه هنا
ويدور على لسان معظم أهل البحرين: إلى أي مدى استطاعت تلك التحولات التي
شهدتها الساحة البحرينية وما واكبها من قيام مؤسسات دولة القانون في الحد
من الفساد المتمثل في إهدار المال العام أو التربح غير المشروع والاستيلاء
غير القانوني على المال العام السائل والعيني؟!

لقد واكب تدشين
المشروع الإصلاحي إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية، والذي أصدر على
مدار السنوات التسع الماضية تسعة تقارير عتيدة أظهرت وبالأدلة التي لا يرقى
إليها الشك، تورط العديد من المسئولين في الأجهزة الحكومية وبمستويات
إدارية مختلفة، وزير- وكيل- وكيل مساعد- مدير عام- مدير….إلخ، في ارتكاب
مخالفات قانونية وتجاوزات إدارية ومالية يرقى بعضها إلى الجناية.

والغريب
في الأمر أن السلطة التنفيذية تعترف بما ورد في تلك التقارير من حقائق حول
المخالفات والتجاوزات وتقدم الوعود تلو الوعود باتخاذ الإجراءات اللازمة
تجاه الملاحظات التي تتضمنها تقارير ديوان الرقابة، إلا أن تلك الوعود
تتبخر مباشرة بعد التصريح بها، وآخر تلك الوعود بعد صدور التقرير التاسع
العتيد، حيث صرحت السلطة التنفيذية بتشكيل لجان متخصصة لمتابعة الملاحظات
التي تسميها السلطة التنفيذية «ملاحظات»، ولكن هي في الحقيقة مخالفات
قانونية وتجاوزات إدارية ومالية، ولكن بعد مرور ما يقارب الشهرين على صدور
التقرير لم نسمع عن تلك اللجان وما قامت به من تحقيق! وما هي النتائج التي
توصلت إليها حتى الآن؟ إن مثل هذه المخالفات والتجاوزات يا سادة يا كرام لا
تحتاج إلى عمل خارق للوصول إلى من قام بها، فالتقرير واضحٌ وضوح الشمس وقد
وضع النقاط على الحروف، وما ينبغي على السلطة التنفيذية القيام به هو
اتخاذ القرارات الصارمة بحق من تلاعب وأهدر واستولى على المال العام.

ونتمنى
أن تخرج علينا الحكومة بتصريح أو بيان تقول لنا فيه ما هي نتائج التحقيقات
التي قامت بها تلك اللجان المتخصصة لمتابعة ملاحظات تقرير ديوان الرقابة!

أما
السلطة التشريعية، وهي صاحبة الحق الأصيل في الرقابة والتشريع، فحدّث ولا
حرج، فتقارير ديوان الرقابة تمر على نوابها الأشاوس مرور الكرام!

ويقتصر
دورهم فقط على البكاء والعويل على اللبن المسكوب دون أي عمل أو إجراء
وقائي أو محاسبة من شأنه تفعيل أدواتهم الرقابية في محاسبة من أهدر المال
العام ومن استولى عليه من غير وجه حق.

بالله عليكم أفيدونا أفادكم
الله، هل عجز كل النواب على مدى عقد من عمر مجلس النواب المديد ومع توفر
الكم الهائل من الأدلة المادية حتى في أن يحاسب موظفاً في مكتب أي وزير؟!
هل دور كل النواب يقتصر فقط على استلام تقرير ديوان الرقابة وحفظه في
الأرشيف؟ هل أصبح نواب الشعب موظفي أرشيف أو مراسلين دورهم فقط يقتصر على
الاستلام والحفظ؟ أم هم نواب انتخبهم الشعب للدفاع عن حقوقه وحماية مصالحه؟
وإذا تطرقنا إلى تقارير ديوان الرقابة لابد أن نتساءل عن دور النيابة
العامة، وهي الجهة الموكول إليها الدفاع عن الحق العام. وإهدار المال
العام والاستيلاء عليه بشكل غير مشروع هو حق عام ويجب التصدي له والدفاع
عنه والتحرك لمحاسبة المسئولين عن التلاعب والاستيلاء الجائر على أموال
الشعب.

إن النيابة العامة تقع على عاتقها مسئولية كبيرة في تحويل
التجاوزات والمخالفات الواردة في تقارير ديوان الرقابة المالية إلى دعاوى
قضائية تتم من خلالها ملاحقة المتلاعبين بالمال العام، ولكن هذا لم يحدث
على الإطلاق، وكأن لسان حالها يقول إنني انتظر توجيهاً أو إشارةً ما من
مكان ما، لتفعيل توصيات وملاحظات تقارير ديوان الرقابة، وكأننا لازلنا نعيش
في بلد التوجيهات والمكرمات وليس دولة القانون والمؤسسات!

وأخيراً
لابد أن نعرج على صحافتنا المحلية العتيدة، التي تدعي الشفافية والموضوعية
والحيادية وكشف مواطن الخلل والفساد في المجتمع، وهنا يحق للمواطن أن يوجه
تساؤلاً محدداً للصحافة: أين أنتم من قضايا المخالفات والتجاوزات الإدارية
والمالية التي تتصدر تقارير ديوان الرقابة؟ هل دوركم يقتصر فقط على نشرها
حالها حال الإعلانات مدفوعة الأجر، أم دوركم وأمانتكم الصحافية تقتضي
القيام بتحقيقات صحافية معمقة لملاحقة المتلاعبين بالمال العام وكشفهم أمام
الرأي العام وبالتالي تضييق الخناق عليهم؟ فكم من الصحف والصحافيين في دول
عدة وضعوا مسئولين وراء القضبان من خلال التحقيقات التي قاموا بها، والتي
أجبرت أجهزة الدولة ومؤسساتها للتحرك من أجل حماية المال العام من الهدر
والاستيلاء الجائر وغير المشروع.

وحتى نثبت للقاصي والداني بأن
مؤسسات الدولة تقول للفساد كل عام وأنت بخير، وحتى لا نتهم وكالعادة من
أطراف عدة، بأننا محرضون ومغرضون ولا نتصف بالحياد، دعونا نعود بالذاكرة
إلى قضيتي فساد شغلتا الرأي العام وشكلت لهما لجان حكومية وبرلمانية، وتوعد
من توعد وحلف اليمين من حلف من المسئولين والبرلمانين بأن يكون الحساب
عسيراً لمن تجاوز وخالف.

القضية الأولى: الاستيلاء غير القانوني
والجائر على أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً من المخزون الاستراتيجي لأراضي
البحرين وتوزيعها على عدد محدود من المتنفذين، هذا الفعل غير القانوني وغير
الإنساني الذي يتنافي مع أبسط مبادئ الإصلاح ودولة القانون والمؤسسات،
أصبح نسياً منسياً. لقد تم التوصل إلى تلك الحقائق من خلال لجنة تحقيق
برلمانية تم تشكيلها العام 2009-2010، والتساؤل هنا ما هو مصير تلك الأراضي
التي تقدر قيمتها بمليارات الدنانير؟ وأين نتائج التحقيق الذي قامت به
لجنة وزارية رفيعة المستوى؟ ألم أقل لكم الفساد يعيش ويترعرع في بلدي بألف
خير وخير.

القضية الثانية: لقد أثبتت التحقيقات أن الفساد ضرب أطنابه
في كل ناحية في مستشفى الملك حمد الجامعي حتى المواسير (البيبات) والأسلاك
لم تسلم منه! حيث كانت تكلفة المشروع 18 مليون دينار ووصلت بفعل فاعل إلى
120 مليون دينار، وعلى إثر ذلك تم إعفاء وزير الأشغال آنذاك من منصبه في
إجراء يلفه الغموض حتى الآن! وكالعادة شكلت لجان وزارية وبرلمانية…إلخ،
وأنتم تعرفون باقي (الحدوته)! وذهبت كل تلك اللجان والعويل في مهب الريح،
وكانت زوبعة في فنجان، وتنعّم المسئولون الفاسدون بما غنموه من أموال
الشعب، وكل ذلك يحدث في دولة المؤسسات!

إن كنّا حقاً نعيش في دولة
المؤسسات والقانون نريد مسئولاً واحداً يخرج علينا ويقول لنا، ما هو مصير
المخالفات القانونية والتجاوزات الإدارية والمالية في تلك القضيتين وغيرها
من قضايا الفساد التي تحتاج إلى مجلدت لتوثيقها؟ وما هي نتائج تحقيقات
اللجان العتيدة، هذا إن كانت هناك تحقيقات في الأصل!

إن ما ذكرناه هو
قطرة من بحر من قضايا تنمو وتترعرع في بيئة حاضنة للفساد في ظل غياب
الإجراءات المحاسبية والعقابية. لقد أصبح الفساد يا سادة ظاهرة في مملكتنا
وليس مشكلة؛ فالفساد أصبح ثقافة تنتشر بين أروقة الوزارات وأجهزة الدولة
المختلفة، بحيث إذا أردت أن تحرّك معاملةً أو تنجز مصلحةً، ما عليك إلا أن
تدفع المعلوم ثم تحصل على المطلوب.

إننا لا نطالب بالقيام بمعجزة من
أجل مكافحة الفساد، وإنما نطالب بتوفر الإرادة السياسية الصادقة والتطبيق
الأمين للقوانين والأنظمة والأدوات الرقابية والمحاسبية المتوافرة، كما
نطالب بتطبيق أمين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها
البحرين العام 2010، كما نطالب مؤسسات الدولة وبالذات التشريعية منها
مراجعة التشريعات الحالية وتوفيقها مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد،
ومن ثم العمل على إصدار التشريعات التي تحرّم وتجرّم الفساد وتلحق بمرتكبيه
أشد وأقسى العقوبات… فمن يرفع الشراع؟

عيسى سيار
صحيفة الوسط البحرينية