المنشور

“صوملة” سوريا



شاهدتُ
أحد قادة المعارضة السورية يرد منفعلاً حد الصراخ على مذيعة إحدى
الفضائيات حين طلبت منه التعليق على تحذير الأخضر الإبراهيمي من أن تذهب
سوريا نحو “الصوملة” إن لم يجرِ بلوغ حل سياسي لأزمتها، ولا أعرف كيف انصرف
ذهن الرجل إلى أن في مفردة “الصوملة” حطاً من شأن سوريا وشعبها، قائلاً ما
معناه: “سوريا ليست الصومال، فمع احترامنا للصومال فإن سوريا بلد متحضر،
له تراث ثقافي وحضاري كبير” .


والرجل
على حق في أن لسوريا وشعبها مجداً حضارياً وثقافياً ليس موضع شك، فهي أعطت
العرب والعالم الكثير من الأسماء العملاقة في مجالات الإبداع والفن
والثقافة، هذا عدا تاريخها الثري الممتد عميقاً في التاريخ، وبالتأكيد بوسع
الصوماليين، شأنهم شأن أي شعب آخر، أن يتحدثوا، هم أيضاً، باعتزاز عن
تاريخهم وثقافتهم .


لا
شأن لمفردة الصوملة بما إذا كان للبلد شأن حضاري كبير أو صغير، فهي
استوحيت مما آل إليه الصومال من انهيار للدولة وتفكك لمؤسساتها، ودخولها في
نفق من الصراعات الأهلية الدامية، فلقد جرى تفكيك يوغسلافيا الأوروبية
المتقدمة إلى مجموعة دويلات بعد حروب من التطهير العرقي الدموي، ولم تشفع
الثقافة والحضارة هنا شيئاً في إيقاف المذابح التي هزت الضمائر في العالم .


وضع
سوريا الدامي اليوم ينطوي على احتمالات لا تقل خطراً عن “الصوملة” بسبب
تعنت النظام من جهة، وهو تعنت لولاه ما كانت الأزمة استفحلت إلى الحد الذي
بلغته اليوم، وبسبب التدخلات الخارجية في الشأن السوري الداخلي من قبل دول
وجماعات، بينها تنظيم “القاعدة”، مما دفع ويدفع البلد نحو المجهول المخيف،
الذي قد يؤدي إلى تفكك الكيان الوطني السوري إلى كانتونات مذهبية وطائفية،
وإلى ساحة تصفية حسابات إقليمية وربما دولية على نحو ما جرى في لبنان
والعراق وسواهما .


لم
يكن الأخضر الإبراهيمي، الدبلوماسي المخضرم المحنك، يرجم بالغيب أو يطلق
بالونات تخويف واختبار حين أطلق تحذيره من “صوملة” سوريا، وإنما كان ينطلق
من واقع تجربته السياسية الطويلة ومن حصيلة إحاطته بالخيوط المتشابكة
للأزمة السورية، هو الذي يتولى ملف الوساطة فيها بتفويض عربي ودولي، حيث
يدرك الرجل أنها ليست خيوطاً محلية فحسب، وإنما لها علاقة بمستقبل التجليس
العام المقبل للوضع في المنطقة برمتها، الذي تتكشف، أكثر فأكثر، خطوطه
يوماً عن يوم .