المنشور

رسالة الدكتور السماهيجي من السجن

نشر المحامي حميد الملا رسالةً من طبيب العيون الاستشاري سعيد السماهيجي، بعد لقائه به الأربعاء الماضي.

الرسالة تضجّ بالشكوى من سوء المعاملة وكثرة التجاوزات بحق السجناء
السياسيين. وهي مكوّنةٌ من 350 كلمة (أي أقل من حجم المقال بـ 100 كلمة
تقريباً)، وتشتمل على 11 مطلباً، وهي عبارة عن شكاوى وتظلمات من أوضاع سيئة
ومعاملة غير إنسانية يعانيها السجناء.

الاستشاري الستيني، الذي عالج مئات المواطنين من مختلف مناطق البحرين
طوال أكثر من ثلاثين عاماً، يتحدّث اليوم في رسالته عن سوء المعاملة، حيث
يجري تفتيشه بطريقةٍ مذلةٍ بعد كل زيارةٍ للأهل أو للمستشفى أو لإدارة
السجن نفسها.

نلاحظ أن الأمر الأول الذي أثاره يتعلّق بالكرامة البشرية، أما الأمر
الثاني فيكشف السماهيجي عن عدم الالتزام بتوصيات وقرارات المحكمة، وعلى
الخصوص قاضي تنفيذ العقاب، بعرضه على الأطباء المختصين الذين كانوا على
تواصل معه قبل صدور الحكم.

فالرجل يعاني من وضع صحي صعب، وسبق أن تعرض للإصابة بجلطة دماغية في
الفترة الأولى من اعتقاله. وقد أحسنت الداخلية يومها صنعاً بنقله على وجه
السرعة للعلاج في الخارج، وقد تابع الرأي العام رحلة علاجه باهتمام وتعاطف
كبيرين، ونشرت الصحيفة صوره لدى عودته من الأردن على كرسي متحرّك.

ما يزيد الأمر سوءًا إنه يعاني من أعراض صحية أخرى، كمشاكل في الأسنان
وارتفاع ضغط الدم، بينما لا تُخصّص له تغذية صحية تتوافق مع حالته.

الاستشاري الستيني الذي عالج مئات من مرضى العيون، يعاني اليوم من
حساسيةٍ من قماش بدلة السجن الخاصة، ويبدو أن إدارة السجن لم تكترث بذلك
رغم إبلاغها مراراً، كما يعاني من عدم إمكانيته أداء الصلاة بالصورة
المفروضة، وليس صعباً توفير طاولةٍ خاصةٍ لذلك، كتلك المنتشرة في مختلف
مساجد البحرين لكبار السن ومن يعانون من آلامٍ في الظهر.

هناك شكاوى من النوع الذي يثير الاستغراب، كنَّا نعتقد أنها أصبحت من
الماضي، كمنع الأهل من توفير الملابس لأبنائهم. والأصعب من ذلك انقطاعات
المياه لفترات طويلة في دورات المياه، وعدم توفر الماء الساخن، في هذا الجو
الشتوي القارص، ما يزيد من معاناة الإنسان، خصوصاً في أوقات الفجر، عند
الحاجة للوضوء أو الغسل تمهيداً للصلاة.

هذه الشكاوى، سوء المعاملة للسجين وأهله، وسوء التغذية، ومنع الحاجيات
الأساسية وعدم الاهتمام بالنواحي الصحية، تتكرّر منذ ستين عاماً حتى باتت
مستوطنةً في السجون السياسية في البحرين.

والمسيء أن أربعة أجيالٍ من السجناء السياسيين، (قوميون ويساريون
وإسلاميون وآخرهم سجناء موجة الربيع العربي) استمرت في معاناتها دون أن
تحلّ، رغم وجود وزارةٍ واحدةٍ، وجمعيتان حكوميتان، وثلاث منظمات أهلية
تتكلّم كلها باسم حقوق الإنسان.

هذه الشكاوى كنّا نقرأها في التقارير الصحافية والحقوقية عن فلسطين،
وكنّا نقرأها في أعمال الروائيين، مثل الفلسطينية سحر خليفة والمصري صنع
الله إبراهيم والسعودي عبدالرحمن منيف، ونسهو عمّا يجري داخل سجوننا منذ
عقودٍ متوالية وسط كل هذا المريب.

أخيراً… إننا في عصر «حقوق الإنسان»، ويجب أن لا تبقى فلسفة السجن قائمةً على أساس أنها مكان للعقاب والتشفي والإذلال والتعذيب.

قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية